خيارات مصادر الطاقة في المملكة

27/05/2014 3
د. سليمان الخطاف

ينمو الطلب العالمي على الطاقة بوتيرة متسارعة، ويتوقع أن يصل إلى حوالي ثلث الطلب الحالي بحلول عام 2040م.

وسيشكل النفط والغاز الطبيعي حوالي 60% من مصادر الطاقة فى عام 2040م. وسيكون الغاز الطبيعي صاحب اكبر نمو من كل مصادر الطاقة الاخرى، حيث سينمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي بحوالي 65% فى عام 2040م ويتوقع ان يتخطى الفحم كمصدر الطاقة الاول في توليد الطاقة الكهربائية بالعالم. 

وفي مقابل ذلك، يتوقع ان يشهد الطلب على الطاقة النووية ارتفاعاً قوياً فبعد ان شكلت الطاقة النووية حوالي 3% من اجمالى الإنتاج العالمي للطاقة فى عام 2010م، وترى شركة اكسون ان هذه النسبة سترتفع إلى حوالي 9% بحلول عام 2040م، وسوف يكون النمو الاكبر على الطلب على الطاقة النووية قادماً من آسيا.

وأما النمو فى توليد الطاقة المتجددة مثل: الطاقة الشمسية والرياح والوقود الحيوى، فيتوقع ان يرتفع الى 4% من إجمالى الإنتاج العالمي للطاقة بعد ان كان 1% فى عام 2010م.

لا شك أن الغاز الطبيعي والطاقة النووية والشمسية هي من المصادر التي ينظر إليها العالم بجدية بالغة في المستقبل. ولذلك، فإن كل ما تقوم به المملكة لزيادة حصة هذه الأنواع من مصادر الطاقة من الإنتاج السعودى للطاقة هو أمر استراتيجي، وسوف يكون له الأثر الجيد فى مستقبل خال من اى نقص في امدادات الطاقة.

لا سيما وأن المملكة سوف تضاعف قدرتها لتوليد الكهرباء في أقل من 7 سنوات من حوالي 60 ألف ميغاوات حالياً إلى 120 ألف ميغاوات في 2020م؛ بسبب التصاعد الكبير فى الطلب على الكهرباء فى المملكة.

ان إنتاج الكهرباء فى المملكة استهلك فى عام 2012م نحو 3.3 تريليون وحدة حرارية او ما يعادل 1.6 مليون برميل من النفط المكافئ يومياً.

وبلغت نسبة الغاز الطبيعي من هذا الوقود وبحسب هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج 46%، و31 % من الزيت الخام، و15% من الديزل، و8% من زيت الوقود.

وإذا ما تم مضاعفة قدرة توليد الكهرباء فى عام 2020م فانه من المتوقع ان يصل الطلب على الوقود لتوليد الكهرباء فى المملكة بعد 6-7 سنوات الى حوالي 3 ملايين برميل نفط مكافئ يومياً، حيث سيزيد الطلب على الكهرباء 9 في المائة سنوياً.

وهذا يدل على ان المملكة استهلكت وسوف تستهلك كميات هائلة من ثرواتها الاحفورية الناضبة من غاز ونفط. ولذلك توجب ايجاد بدائل معقولة لانقاذ النفط الخام من حرقه لتوليد الكهرباء. 

إن إنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة كان أحد الحلول لرسم بدائل عن الطاقة الاحفورية. ولا شك ان الطاقة الشمسية هى أحد أفضل الحلول من الناحية النظرية، ولكنها تصطدم بواقع صعب من ناحية الجدوى الاقتصادية وارتفاع تكاليف الانشاء والصيانة وحتى حصتها الحالية في انتاج الطاقة بالعالم أقل من 1% وقد ترتفع الى 2-3% بعد 15 سنة. 

وأما الطاقة النووية فهي محل تجاذبات متعددة؛ لأنها وبصراحة تثير الجدل والرعب فى آن واحد. فلا يمكن لاحد ان ينسى ما حدث فى فوكوشيما وتشرنوبل ومجرد وجود احتمال وقوع كوارث نووية تجعلنا نتجنبها ونفكر جدياً بغيرها.

ولكن ظروف فوكوشيما لا تشابه الظروف المناخية والجغرافية للمملكة.

وفى نفس الوقت يجب ان ننظر الى الاحصائيات التى تقول ان العالم سيستخدم الطاقة النووية فى توليد 9% من طاقته فى عام 2040م. ويجب ألا ننسى أن هنالك تجارب ناجحة في هذا المضمار، فالدول الأوروبية نجحت فى الاستفادة من الطاقة النووية رغم وجود عيوب فى التخلص من الوقود النووى المستهلك. 

وعربياً، ها هي دولة الامارات قريبة جداً من ان تكون اول دول عربية تستفيد سلمياً من الطاقة النووية، ولقد عهدت الى مجموعة من الشركات الكورية الجنوبية بعمل كل شيء لإنتاج الطاقة بتكلفة تفوق 40 مليار دولار.

ولا شك ان الطاقة النووية تساعد حتى الدول الصغرى وغير المتطورة فى توليد الطاقة وعلى سبيل المثال تولد سلوفاكيا 53% من طاقتها وسلوفينيا تولد 36% من طاقتها وارمينيا 27% من طاقتها، باستعمال المحطات النووية، بالاضافة الى وايران وباكستان والارجنتين ورومانيا.

إذاً العملية ليست مستحيلة، وانما تحتاج فقط الى ثقافة جادة ومتقيدة بعوامل السلامة.

ولا ننسى أننا شيدنا مصافي كبيرة ومصانع غاز ومصانع بتروكيماويات واكبر محطات تحلية مياه فى العالم، وكانت الحوادث لدينا تكاد لا تذكر. ونفخر دائماً بمعدلات السلامة المرتفعة في كل من ارامكو وسابك ومحطات التحلية.

والسؤال المطروح.. هل نذهب للطاقة النووية كما عملت 31 دولة بالعالم، أم نعيش على حرق النفط والغاز الطبيعي الناضب؟ ولماذا لا نشارك فى الاستفادة من الطاقة النووية ولا سيما وان هذه المحطات قريبة من حدودنا البرية مع الامارات والحدود البحرية مع ايران. 

لا شك أن هذا القرار من أهم القرارات الاستراتيجية المهمة، خاصة مع الارتفاع الكبير للطلب على الطاقة فى المملكة وفى توفر محدود للغاز الطبيعي، الذى لايستطيع ان يولد كل الطاقة فى المملكة، خاصة وهو يساهم ايضاً بالصناعات البتروكيماوية.

لذلك قد يكون الحل الوسط في تبني فكرة إقامة المحطات النووية الصغيرة، والتى يسهل السيطرة عليها والتحكم بها، خاصة إذا ما تعرضت لعطل أو تسرب للمواد النووية المشعة الضارة. 

وتقوم هذه المحطات على مفاعلات نووية صغيرة تستطيع ان تولد ما كميته 300 ميغاوات، وهى ذات تكلفة اقل وتحتاج الى مساحات اقل. اى ما لا يدرك كله لا يترك كله.

الأكيد، أن المطلوب في مثل هذه الامور، مرجعية عليا لتنسيق شئون الطاقة وخياراتها في المملكة، وكذلك التأني وعدم الاستعجال، ولكن على ان يتم التقدم الى الأمام بخطى ثابتة.

كل مجهول صعب ومخيف، ولكن من الحكمة التقدم ببطء الى الأمام، ومن المهم أن نقتحم عالم الطاقة النووية لكن برفق وبحذر.

نقلا عن اليوم