يتزامن مرور 33 عاما على تأسيس مجلس التعاون الخليجي في 25 مايو 1981 هذا العام مع ندوة نظمتها الهيئة الاستشارية للمجلس في مسقط نهاية الأسبوع الماضي لتقييم مسيرة المجلس، حيث تناولت مجموعة من المحاور الأساسية على رأسها المحور السياسي، ومحور الإنسان والتنمية، والمحور الاقتصادي، والمحور الأمني، والمحور القانوني. ولعلها مناسبة تستحق بالفعل هذه المراجعة والتقييم والخروج بالتوصيات الملائمة لدفع مسيرة المجلس.
إن دول المجلس وعلى مدار العقد والنيف الماضية وتحديدا منذ أحدث 11 سبتمبر تأثرت بعاصفة من التطورات السياسية والاقتصادية، وربما كان التأثير الإيجابي الوحيد هو ارتفاع أسعار النفط بعد أحداث 11 سبتمبر، أما فيما عدا ذلك، فقد شهدت هذه الدول أحداثا سياسية عظاما في العراق وأفغانستان وغيرها أدت الى عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي.
وقد تجلى عمق هذا التشابك بصورة أكبر بعد نشوب الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، والتي أدت إلى انهيار أسعار النفط والأسهم والعقارات وأرباح البنوك والشركات وتضاعف الديون المتعثرة والشركات المفلسة في دول مجلس التعاون الخليجي. لقد كشفت الأزمة العالمية عام 2008 أن اقتصاديات الدول الصناعية التي كان يعتقد الكثير بمتانتها وتنوعها وشفافيتها وسلامتها هي الأخرى معرضة للهزات، وأن هياكل هذه الاقتصاديات تعاني الضعف والخلل في الكثير من الجوانب. وقد جاءت أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو، وكذلك أزمة الدين الأمريكي الأخيرة لتؤكد اليوم صحة هذه الاستنتاجات.
ولم تكد الاقتصاديات الخليجية تتعافى حتى اندلع في المنطقة العربية منذ مطلع العام 2011 حراك سياسي مؤثر يتمثل في احتجاجات شعبية واسعة النطاق وبشكل لم نعهده من قبل، عرّضت المنطقة العربية لهزات شديدة أحدثت تغييرات ديمقراطية في كل من تونس ومصر، وأفرزت مواجهات في ليبيا بين النظام والشعب المتطلع للحرية، هذا فضلاً عن الحراك الشعبي الدائر في اليمن.
ونتيجة للمتغيرات الكبيرة و المتسارعة غير العادية في المشهد السياسي العربي، والتي تكاد تكون تكراراً للمشهد السياسي في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي مطلع عقد التسعينات من القرن الماضي، حيث انتقلت الأحداث من بلد إلى آخر فيما يشبه كرة الثلج المتدحرجة أو الإعصار المتدحرج.
إزاء هذه الأوضاع والتطورات السياسية والاقتصادية، لا بد لدولنا الخليجية أن تقف وتفكر مليا: إلى متى سوف تظل تتقاذفها تلك التطورات يمينا وشمالا، وكيف السبيل لبناء اقتصاديات أكثر قوة ومتانة نعتمد عليها بصورة أكبر.
في هذا الإطار، لا بد من قراءة العولمة وبأبعادها المختلفة كنسق جديد يؤثر في مختلف مناحي الحياة في دولنا الخليجية، ناهيك عن تأثيراتها المباشرة على الإنسان والمجتمع والدولة وعلى منظومة القيم الاجتماعية المختلفة. ورغم أهمية المحافظة على التراث والقيم والتقاليد في دولنا، إلا أننا لا بد وأن ندرك، أن طوفان التغيير يحرك الأرض من تحت أقدامنا.
لذلك، فإننا نرى، وفي سبيل التعامل مع عواصف العولمة والتطوارات العالمية، وبناء مجتمع أكثر استقرارا من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، علينا التعامل مع أكثر من قضية حساسة.
القضية الأولى إن الإصلاح بمفهومه الواسع، السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني، أصبح أمراً في غاية الأهمية لإحداث التنمية المنشودة لأي مجتمع، كما أن الإصلاح على مختلف مساراته، إنما يؤسس لمجتمع أكثر استقراراً وأمناً، ومن خلاله يستطيع المواطنون تحصين مجتمعهم وحمايته من أية هزات، وتجاوز كل العقبات، ومواجهة جميع التحديات، وتحقيق أهدافهم وطموحاتهم.
والقضية الثانية أن هناك زيادة كبيرة في عدد سكان دول مجلس التعاون، والذي تتوقع مراكز بحثية عالمية أن يصل إلى ثلاثة وخمسين مليون نسمة في العام 2020م، مما يفرض تحديات عدة تتمثل في توفير فرص العمل للأعداد المتزايدة من الشباب المؤهلين لسوق العمل، بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من السيدات الراغبات في دخول سوق العمل، حيث ستدفع الجامعات والمعاهد بأعداد كبيرة منهم إلى سوق العمل، إلى جانب الرجال، بثقافة توازن بين دور المرأة التقليدي والرغبة لدى الجيل الجديد في تحقيق الذات من خلال الوظيفة، علاوة على الاهتمام بالتدريب النوعي وتكييف التدريب بحيث يرفع من المحتوى المهني للباحثين عن العمل.
والقضية الثالثة أن الجيل الجديد من الشباب في المنطقة يتمتع بقناعات بشأن دوره وأهمية مشاركته في الشأن العام، وهذه القناعة تختلف عما كان سائداً في أوساط الأجيال السابقة. لذلك، هناك ضرورة لتكريس مفهوم المواطنة في دول المجلس بما يحمله هذا المفهوم من قيم الانتماء والولاء للوطن، والمشاركة الفاعلة من قبل المواطن نحو المجتمع الإنساني الذي ينتمي إليه. ان هذا المفهوم يكتسب وجوده الجمعي من المشاركة السياسية الفاعلة في ظل مشروع حضاري إنساني متكامل الابعاد .
والقضية الرابعة هي ضرورة تنويع القاعدة الإنتاجية لاقتصادات دول المجلس، لتشمل قطاعات إنتاجية جديدة قادرة على زيادة حجم الاقتصاد الخليجي، والرفع من تنافسيته الاقليمية والدولية، وزيادة فرص العمل المتاحة للمواطنين، وخلق نشاطات استثمارية وتجارية موازية للقطاع الخاص الوطني ليكون شريكاً حقيقاً في الوفاء بهذا المطلب الاستراتيجي الهام، مع العمل على تذليل العقبات والصعوبات التي تعترض طريق القطاع الخاص للنهوض بدروه على المستويين الوطني والخليجي.
أما القضية الخامسة، فهي دعوة الجهات التنفيذية في دول مجلس التعاون إلى التفاعل مع برامج التكامل المشترك بما يتناسب وتحديات المرحلة، وتسريع تنفيذ هذه البرامج ووضع آليات خليجية مشتركة تمتلك صلاحيات تنفيذ القرارات الصادرة عن قمم التعاون، ونخص بالذكر السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي والاتحاد النقدي. حيث إن تحقيق هذه المشاريع الهامة وتنفيذ مقتضياتها بالكامل سيكون أداة هامة لاستيفاء متطلبات الاستقرار الاقتصادي من خلال مساهمتها في مواجهة البطالة بين المواطنين، ورفع فرص الاستثمار والتجارة البينية، وتحقيق المواطنة الخليجية بمفهومها الاجتماعي والاقتصادي، وغيرها من المنافع.
نقلا عن اليوم