لقد بات تطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة أمرا أساسيا ويرتبط مباشرة بإعادة هيكلة الاقتصاديات الخليجية، ولكي تصبح المشروعات الصغيرة والمتوسطة من أهم آليات تفعيل عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية في هذه الاقتصاديات.
وعلى الرغم من أهميتها، فلا يوجد حتى الآن إستراتيجيات خليجية موحدة لتفعيل دور هذا القطاع سواء لناحية الدعم والتشجيع، أو بالنسبة للتمويل.
ولقد سبق لاتحاد المصارف العربية أن قام بدراسة مشتركة بالتعاون مع البنك الدولي حول قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الوطن العربي، خاصة لناحية حصول هذه المشروعات على التمويل المصرفي اللازم. وشملت العينة المدروسة 139 مصرفاً عربياً في 16 دولة عربية.
وبينت نتائج الدراسة أن حصة القروض المقدمة لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بلغت حوالي 10 % فقط من مجموع القروض المقدمة من القطاع المصرفي العربي.
مع الإشارة إلى تفاوت هذه النسبة بين المصارف الخليجية (حيث بلغت لديها هذه النسبة 2%) والمصارف غير الخليجية (حيث 13%).
كما تتفاوت نسبة القروض المقدمة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بين الدول غير الخليجية، حيث يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات:
المجموعة الأولى تضم كلا من مصر وسوريا، وتبلغ النسبة المذكورة - فيهما أقل من 10 %. المجموعة الثانية تبلغ النسبة فيها بين 10 و15%، وتضم كلا من فلسطين والأردن. أما المجموعة الثالثة، فتزيد النسبة فيها عن 15 % وتضم كلا من تونس، لبنان، اليمن، والمغرب.
كما تلعب المصارف العربية الحكومية دوراً مساوياً تقريباً للمصارف المملوكة من القطاع الخاص، حيث بلغ متوسط هذه النسبة 9% من مجمل القروض الممنوحة من المصارف الحكومية.
كما تتفاوت نسبة الاقراض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة من مجمل الاقراض، بشكل كبير بين القطاعات المصرفية العربية، حيث بلغت 0.5 % في قطر، 1% في البحرين، 4% في الإمارات العربية المتحدة، 7% في سلطنة عمان، 5% في مصر، 10% في السعودية والأردن، 16% في لبنان، و 24% في المغرب.
وتظهر هذه الأرقام الاهتمام غير الكافي الذي توليه المصارف العربية لقطاع حيوي جداً، لخلق فرص العمل وتعزيز التنمية الاقتصادية الحقيقية، عدا عن أنه يشكل فعلاً فرصة استثمارية وتمويلية ضخمة للمصارف العربية.
كما يشير تقرير أعدته مؤسسة التمويل الدولية حول الموضوع، إلى وجود ما بين 1.9 إلى 2.3 مليون مؤسسة صغيرة ومتوسطة، مسجلة رسمياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، 21 % منها فقط حاصلة على قروض من المصارف، وذلك على الرغم من أن حوالي 74 % منها لديها حسابات إيداع لدى المصارف، ما يدل على أن المصارف تتولى إدارة أموال تلك المشروعات ولكن تحجم عن إقراضها. كما أشار التقرير المذكور إلى فجوة تمويل لهذه المشروعات ما بين 110 إلى 140 مليار دولار.
ووفقا للتقرير، تواجه المشاريع الصغيرة والمتوسطة العديد من الصعوبات التمويلية التي يمكن تلخيصها فيما يلي:
- تعتمد هذه المشاريع في أغلب الأحيان على التمويل الذاتي وبالتالي فهي تعمل في حدود الإمكانيات المالية المحدودة المتاحة لها.
- نظرا لأن الكيانات القانونية لهذه المشاريع تكون في الغالب مؤسسات فردية، فإنه يصعب عليها زيادة رؤوس أموالها عن طريق طرح أسهم في الأوراق المالية أو إصدار سندات للاقتراض.
- تواجه هذه المشاريع مشكلات تمويلية ترجع إلى تردد بعض المصارف التجارية في منح هذه المؤسسات قروضا ائتمانية متوسطة أو طويلة الأجل ما لم تقدم تلك المؤسسات ضمانات.
- إن التمويل المتاح في بعض الأحيان لهذه المؤسسات يعتبر غير مناسب لاحتياجاتها التمويلية نظرا لانخفاض مدة الائتمان أو لعدم كفايته.
إن التمويل هو روح المشاريع، والكثير من اقتراحات المشاريع المنيرة والأفكار تُقتل لعدم الحصول على التمويل المناسب. فبدون المبالغ الضرورية لن ينجح أي مشروع وخاصة في المراحل الأولية.
فمعاناة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة متمثلة في صعوبة الحصول على التمويل المالي أو اجتذاب المستثمرين من جميع القطاعات، حيث إن دول مجلس التعاون تمتلك مصادر تمويلية محدودة موجهة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة المبتدئة.
وفيما يخص تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة من قبل البنوك التجارية، فإن أحد أهم العناصر الأساسية لإنجاح عمليات تمويل هذه المشاريع هو إزالة عوائق السياسات التنظيمية في المصارف ودعم تنمية مؤسسات الأعمال الصغيرة. عمليا، تخضع عملية النمو الاقتصادي أو إطلاق أي برنامج للإصلاح الاقتصادي لدعم المشاريع الصغيرة للعديد من التأثيرات، أهمها: النظام المصرفي القائم والسياسات الحكومية الصارمة في التحكم بمعدلات الفائدة، وضعف المنافسة ومحدوديتها في النظام المصرفي التجاري وهذه من صفات الاقتصاديات في العالم الثالث، حيث في الغالب يسيطر المصرف المركزي التابع للدولة على هذا النظام.
ولكن في النهاية لا بد للمصارف من وضع سياسات وتدابير مساعدة لدعم تلك المشاريع، وأن تبادر طبقا لمهامها وصلاحياتها باتخاذ كل التدابير المالية؛ من أجل مساعدة ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة مهما كانت طبيعتها القانونية، سواء تعلق الأمر بمشروع إنتاج السلع أو الخدمات.
كما أن على المصارف وضع مشروع تمويل وإقراض المشاريع الصغيرة والمتوسطة المحلية، ضمن استراتيجيتها الرامية لتلبية احتياجات السوق، واتخاذ القرار المالي الذي يخدم المصرف ويسهم في تحسين مركزه.
كما يقع على عاتق البنوك المركزية دور رئيسي في تحفيز وتوجيه البنوك المحلية، وحثها على القيام بتقديم دعم أكبر للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، من خلال إصدار التشريعات والإرشادات الملائمة التي تمكن هذه البنوك من إضفاء مرونة أكبر على شروط وفترة التمويل لهذه المؤسسات والضمانات المقدمة، وهيكلة خدمات تكلفة السيولة التي يوفرها لهذه البنوك من خلال ربطها بشكل ما، مع مقدار ما تقدمه من تمويل لهذه المؤسسات، علاوة على تشجيعها على إنشاء أقسام متخصصة لتقديم المشورة المالية والإدارية لها.
نقلا عن اليوم