يُسلم علماء الاقتصاد بحقيقة تفاوت دخول الأفراد وبالتالي تباين ثرواتهم مما يقسم المجتمع إلى طبقات فقيرة ومتوسطة وعليا، أي أن وجود طبقات اجتماعية ناتج طبيعي للحراك الاقتصادي ،ولكن يبدأ القلق حينما تنعكس الطبقية خللاً اقتصادياً أو تتمظهر تركيزا للثراء فى فئة اجتماعية دون غيرها، فاذا تجلى ذلك واضحاً فإن العلماء يسلطون الضوء على أسباب محركاته وقد يلتمسون العلاج في وجود طبقة وسطى باعتبارها دليل عافية أى مجتمع ومؤشر نجاح سياساته المالية والاقتصادية.. ولهذا يصح القول، بقدرما تتوسع الطبقة الوسطى بقدر ما يصدرأهل الاقتصاد شهادة استحقاق لمن يقفون خلف تلك السياسات التي مكنت لها والعكس صحيح بقدرما تتراجع بقدرما تعكس عجز السياسات المالية عن مهاجمة بؤر الفقر وتفعيل التوظيف الكامل، فالسياسات الناجحة تزيد من تمدد الطبقة الوسطى وتصدر شهادة نجاحها وإلا فيجب تقليب الخيارات والتماس الحلول ولو بفرض الضريبة كأداة تستهدف توزيع الدخل في المجتمع أو تقلل من حدة الانقسام الطبقي فيه.
إن كان لذلك نصيب من صحة فإن تركيز الثراء في فئات ضيقة من المجتمع يعني تلقائياً تآكل الطبقة الوسطى وتمدد طبقات أخرى ورويداً رويداً ينقسم المجتمع إلى طبقة عليا وطبقة تعيش الفقر المدقع مما يستلزم البحث عن آليات للحد من استئصال الطبقة الوسطى، وهو ما يفسر الميل إلى فرض الضرائب، فإن حدث فهناك ضرورة لاستصحاب برامج خدمية تفيد الطبقات الاجتماعية بدعم من القطاع العام مثل برامج تتيح التوظيف الكامل في الاقتصاد وتوفر عملاً لكل من يرغب أو لديه مهارات يؤدي بها عملاً كما لابد من توفير خدمات صحية وتعليمية تليق بمستوى معقول لمعيشة الفرد.
ومن بعد ذلك فإن فرض الضرائب سيكون أداة إيجابية وتؤدي لتعديل الخلل وتصويب التفاوت التنموي والاقتصادي فضلا عن فائدة الضرائب كوسيلة لتصويب السلوك البشري وضبط الآثار السلبية للظواهر الاجتماعية في المجتمع.
فعلى سبيل المثال نظام ساهر ضريبة غير مباشرة، ولكنها تستهدف تصويب سلوك الأفراد وخاصة تصرفات المتهورين منهم بما يمنع تجاوزاتهم أو إلحاق ضرر بأنفسهم وبالآخرين ومثل ذلك الضريبة التي تجسد تدخلا حكومياً عبر سياسات تمنع تركيز الثروة في يد فئة اجتماعية محددة ومن التجارب الرائعة التي تحضرني استخدام الضريبة في الدول الاسكندنافية.. هناك مزيج من الضرائب والسياسات ذات المضامين الاجتماعية مما خلق نوعاً من دولة الرعاية الاجتماعية التي وفرت لمواطنها معظم تطلعاته الحياتية في العمل وفي العيش الكريم وفي التعليم الجيد
الضرائب ليست وسيلة تمويلية أو لزيادة ايرادات الدول لأن الدول من حيث المبدأ لا تحتاج لدخل بعملتها الوطنية لأنها ببساطة تحتكر حق إصدار العملة المحلية وتستطيع أن تطبع من عملتها ما ترغب لمقابلة التزاماتها أو تمويل خدماتها أو الإنفاق على المشاريع المحلية وليس ثمة قيد على الدولة في ذلك إلا قيد التضخم وهذا لم يعد يثير المخاوف إذا طبقت معادلات محاسبية واقتصادية معينة مع ذلك الضريبة أداة أساسية لها أهميتها في موازنة الخلل الذي يطرأ على الاقتصاد ودفعه لمربع يصبح فيه إيجابياً، فالضريبة أداة للدولة لغربلة أخطاء السياسات والقرارات الرسمية والإنسان بطبعه خطاء، ولذلك خير الخطائين من يستبق إصلاح خطئه وهذا لا يعني أن كاتب هذه السطور يحث على فرض ضرائب على أصحاب الدخل المحدود أو غيره لتصويب الخلل الذي يحدث لكن يظل اقتصاد المملكة مثل كل اقتصاد لابد له من توظيف الضرائب في التأثير إيجابا في الظواهر التي يفرزها الواقع ومن المؤكد أن هناك ضرائب غير مباشرة في الاقتصاد الوطني السعودي، ومنها رسوم مختلفة ولكن المشرع لم يستهدف بها زيادة الدخل الوطني وإنما الحد من السلوك السلبي ومنع كلفته الاجتماعية فحوادث المرور صارت تفتك بالمجتمع بمعدلات تتجاوز الأوبئة ومع ذلك لا تثير الانزعاج كما يثيره فايروس(كورونا) وهو ما استدعى فرض رسوم ضريبية لكبح السرعة الجنونية والتهور.
اذن لكل أمر فضيلة وفضيلة الضريبة هذه المعالجات.
"الضرائب ليست وسيلة تمويلية"؟ "وتستطيع أن تطبع من عملتها ما ترغب لمقابلة التزاماتها أو تمويل خدماتها أو الإنفاق على المشاريع المحلية وليس ثمة قيد على الدولة في ذلك إلا قيد التضخم"؟
الضرائب فضيلة عند دول تطبق القانون على الجميع؛ عند دولة غيرملكية مطلقة ...
أمحق فضائل ,, قد فرض الله الزكاة بالنسبة للفقراء , أما الطبقة المتوسطة , فالضرائب تخص الدول ذات الدخل المحدود لتدير شؤنها ,, و لا يصح لدولة أن تأخذ ضرائب من مواطنيها و هي عندها ما يكفيها .