يعرّض ازدياد استيراد الصين للطاقة اقتصادها لتقلبات الأسواق العالمية، وفق دراسة لمعهد أكسفورد لدراسات الطاقة، فالصين اليوم أكثر الدول استهلاكاً للطاقة واعتماداً على استيرادها، خصوصاً من الشرق الأوسط، فيما تتجه الولايات المتحدة نحو الاستقلال الطاقوي.
وهكذا ستترك السياسة الطاقوية للصين بصماتها على الأسواق العالمية للطاقة، كما كانت الولايات المتحدة، بالإضافة إلى التغيير المناخي والعلاقات الدولية لبكين. ويتراوح معدل الزيادة السنوية للطلب على النفط في الصين بين أربعة وخمسة في المئة، وبلغ مجمل الطلب عام 2012 نحو 11 مليون برميل يومياً، فيما تملك الصين طاقة تكريرية بنحو 10.7 مليون برميل يومياً.
اعتمدت الصين لفترة طويلة على الفحم الحجري المتوافر بكثرة في أراضيها، ولكن بسبب كلفة نقله عبر أراضيها الواسعة مقارنة بنقل النفط أو الغاز، والأهم من ذلك أخطار التلوث البيئي الناتجة من استعمال الفحم، قررت الصين تقليص الاعتماد على الفحم ورسمت لنفسها هدفاً يتمثل في تقليص نسبة الانبعاث الكربوني إلى أدنى مستوى ممكن.
واستمر النمو العالي وغير المسبوق لاقتصاد الصين منذ 10 سنين من دون أي تراجع مهم، ووصل عدد السكان إلى حوالى 1.341 بليون شخص عام 2010، ويُتوقَّع ان يرتفع العدد إلى حوالى 1.375 بليون في 2015، وهذا يعني ان سوق استهلاك الطاقة في الصين ضخمة جداً، خصوصاً في فترة الانتعاش الاقتصادي.
وبلغت نسبة عدد العاطلين من العمل نحو 4.1 في المئة في 2010 ويتوقع ان يستقر المعدل عند نحو أربعة في المئة خلال 2011 - 2015. وكما هي الحال في فترات الانتعاش في دول أخرى، لم تستطع القفزة الاقتصادية الصينية القضاء على الفقر المدقع في الريف، بل وزادت التلوث البيئي، خصوصاً في المدن الكبيرة، وأدت إلى انتشار الفساد في صفوف المسؤولين البارزين من حزبيين وموظفين حكوميين.
تتيح متغيرات سوق الطاقة في الصين فرصة لتطوير العلاقات الصينية - العربية، فمع استقرار استهلاك النفط الخام في الدول الصناعية الغربية واستيراده، أو حتى انخفاضها، تصبح الأسواق الآسيوية، خصوصاً الصين، أهم منطقة مستوردة للنفط، وهي هكذا الآن. ولولا زيادة الطلب الآسيوي - الصيني في السنوات الأخيرة (خصوصاً منذ 2000، أي بعد انحسار الانتكاسة الاقتصادية الآسيوية التي بدأت أواخر التسعينات) لكانت أسعار النفط الخام في الحضيض نظراً إلى تزايد الإمدادات وشح الطلب في الدول الصناعية على أثر الأزمات المالية والاقتصادية الأميركية والأوروبية.
أما بالنسبة إلى الصين، فستدفعها زيادة استهلاكها للنفط إلى استيراده عبر شركاتها التي تستثمر في الاستكشاف والتنقيب عن النفط في مختلف أرجاء العالم.
وتستثمر الشركات الصينية في معظم الدول العربية النفطية بل كلّها وإيران. ووقّعت «شركة النفط الوطنية الصينية» أخيراً عقداً مع شركة «أدنوك» في أبوظبي لاستكشاف النفط في الإمارة حيث هيمنت الشركات النفطية الغربية العملاقة على الإنتاج طوال العقود الماضية.
وحصلت الشركات الصينية على حصة كبيرة جداً من عقود الخدمة الهندسية الطويلة الأجل مع الحكومة العراقية بعد 2003. والشركات الصينية هي الأكثر استثماراً في حقول النفط في السودان.
كان يمكن للصين استيراد النفط عبر الشركات الغربية، إلا أنها قررت في السنوات الأخيرة الاستثمار مباشرة في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى أفريقيا ودول بحر قزوين. وهذا أمر طبيعي للدول الكبرى، خصوصاً لأكبر دولة مستهلكة للطاقة في العالم. وتؤدي الصين الدور ذاته الذي تلعبه الدول الكبرى في تأمين الإمدادات النفطية لأسواقها. وخير وسيلة لذلك هو الاعتماد على الشركات التابعة لبلدها، أكانت حكومية أو خاصة. فشركة «بتروشاينا» الحكومية، مثلاً، تحصل على 68.8 في المئة من نفوطها من حقول هي شريكة فيها.
طبيعي ان تنافس الشركات النفطية الصينية بطرق مماثلة للشركات الغربية، سواء من خلال السعي إلى الفوز بعقود مع الالتزام بتنفيذ شروط العقود في ما يخص الإنتاج بمعدلات محددة، أو عبر تحقيق الأرباح، أو بواسطة تأمين الإمدادات من الأخطار السياسية. وكانت الخطوة الأولى في هذا المضمار هي استثمار البلايين من الدولارات خلال فترة قصيرة وفي فترة الانكماش الاقتصادي العالمية أخيراً، ما أهلها للفوز بالعديد من العقود.
عربياً، يبقى الاهتمام بالصين محصوراً بالشركات النفطية الوطنية العربية التي تحاول تصدير اكبر كميات ممكنة من النفط الخام والغاز الطبيعي للصين، أو الشركات الاستهلاكية التي تستورد كثيراً من بضائعها من المصانع الصينية، أو الشركات الأجنبية التي شيدت لها مصانع في الصين. لقد أدت الصين أدواراً مهمة ولكن محدودة في هذا البلد العربي أو ذاك، خصوصاً في السودان.
وثمة غياب فاضح من قبل الجانب العربي للاهتمام بالدراسات الصينية، من التاريخ إلى الحضارة واللغة والاقتصاد. وتقع المسؤولية الكبرى في هذا المجال على الجامعات العربية التي تفتقد إلى المعاهد المتخصصة بالدراسات الآسيوية، خصوصاً الصينية. ومعلوماتنا عن آسيا والصين تأتي في أحسن الأحوال من وسائل الإعلام الغربية أو دراسات الباحثين الغربيين.
وعلى الجامعات العربية اللحاق بالتغييرات في المجتمع والدول التي هي فيها، فتبتعث طلاب الدراسات العليا للتخصص في هذه المجالات الحيوية لاقتصاد البلاد.
ومن غير المعقول الاستمرار في دراسة سياسات دول كبرى في الشرق الأوسط من خلال أعين وأقلام كتاب وباحثين أجانب يراعون عادة مصالح بلادهم. لكن يُذكَر ان بعض كبرى الشركات النفطية الوطنية العربية تنبهت إلى هذا النقص، وبدأت منذ سنوات ترسل موظفيها الشباب للدرس والتخصص في الصين، وقبلها في اليابان.
فهل ستفيق الجامعات العربية من سباتها وتلحق بشركات النفط الوطنية، وتؤسس معاهد للدراسات العليا والبحوث متخصصة في آسيا؟
نقلا عن جريدة الحياة