البيروقراطية لا تطبق نفسها بنفسها، بل تحتاج إلى موظفين يقومون على تطبيق أنظمتها مما يجعلها عرضة للتقدير الشخصي بفهم الأنظمة ويترك آثاراً سلبية على الإجراءات والأعمال التي تنفذ، مما أدى إلى اختزال تعريفها بأنها سلطة المكاتب، وإذا كانت البيروقراطية ذات مفهوم اجتماعي واسع يقوم على التنظيم المحكم لقواعد عمل الأجهزة الحكومية إلا أنه ينظر لها من جانبين مختلفين، فهناك من يراها طريقة موضوعية لتنظيم العمل وتحديد المسئوليات إلا أن الوجه الآخر لها هو الروتين الممل والبطء بالإجراءات، مما يترك آثاراً سلبية على المجتمعات بجوانب عديدة سواء إدارية أو اقتصادية.
إلا أن خلاصة الرأي حول البيروقراطية بأن آثارها سلبية عموماً، وهذا ما أوضحه الكثير من الدراسات وأصبحت لغة مكافحتها هي السائدة لدى دول العالم، ومن بين الآثار السلبية التي تفرزها البيروقراطية رفع معدلات البطالة، وذلك بسبب إطالة أمد إنجاز المعاملات والإجراءات عموماً، فالمشاريع والاستثمارات الاقتصادية والتنموية لا تحتمل التأخير فعامل الوقت مهم وأساس في حسابات المستثمرين، بل إن تنافسية الدول ترتكز على مرونة الإجراءات وتطوير الأنظمة لتيسير الأعمال وتوطين الاستثمارات.
وإذا ما ألقينا نظرة على بعض الأمثلة التي تدلل على توغل البيروقراطية لدينا فإن إقرار نظام الرهن والتمويل العقاري والذي ينظر لها كدعامة تنموية مهمة أخذ من الوقت سنوات طويلة جداً، بل حتى بعد إقراره في منتصف عام 2012 دخل في دوامة من الإجراءات أدت إلى تعطل البدء به حتى وقتنا الحالي أي بعد مرور عامين على دخوله حيز التنفيذ رغم أنه بدأ الترخيص لشركات التمويل مؤخراً، لكن حسابات المدة التي أخذها النظام إلى الآن يمكن عكس أثرها على حجم الأموال التي تأخر ضخها بالاقتصاد في هذا القطاع الحيوي، وإذا كانت التوقعات بأن يبلغ حجم سوق التمويل العقاري تبعاً لبعض الدراسات عند ثمانين مليار ريال سنوياً، فإن تأخير عامين أو ثلاثة على انطلاقته يعني حرمان الاقتصاد من أكثر من 150 مليار ريال إلى أكثر من 200 مليار ريال خلال هذه المدة كان بالإمكان أن تحقق قفزة مهمة بالنمو الاقتصادي وتوفر فرص عمل كبيرة بخلاف حلول مشاكل السكن التي سيسهم بها نظام الرهن والتمويل العقاري.
ولا يقف الأثر السلبي عند مثال واحد، بل يندرج على أنظمة ولوائح عديدة من بينها نظام الشركات الذي مضى أربعة أعوام على التصويت عليه من مجلس الشورى ولم يصدر إلى الآن، ومن المعروف أن هذا النظام سيحل مكان الحالي والذي يصل عمره إلى 41 عاماً، ولم يعد مواكباً لاحتياجات الاقتصاد المحلي، فكم من استثمار يمكن اعتباره متعطلاً بسبب تأخر صدور نظام الشركات الجديد، وكم من فرصة عمل تأخرت نتيجة لذلك والأمر ذاته ينطبق على الإجراءات المتبعة في ترسية المناقصات الحكومية وكذلك إجراءات منح القروض من الصناديق الحكومية لتمويل المشاريع، وأيضاً الدراسات الطويلة لإقرار أنظمة وصيغ تطوير العلاقة بين القطاع العام والخاص وخير دليل ما ينتظر صدوره من صيغة للعلاقة بين وزارة الإسكان والقطاع الخاص، حيث مضى أكثر من عام على الحديث عنها، فهل كانت تتطلب كل هذه المدة الطويلة.. وكم من فرصة استثمارية تأخرت بسبب ذلك؟
البيروقراطية ساهمت بإضعاف نمو الاستثمارات أو تأخيرها بأحسن الأحوال، ونتاج ذلك هو تأثير سلبي على النمو الاقتصادي، مما يؤدي لتقليص فرص العمل بالاقتصاد المحلي وضعف بالإنتاج وزيادة بمعدلات البطالة، مما يتطلب إعادة النظر بأساليب إقرار وتطوير الأنظمة لتقليص مدد تفعيلها وتوفير البيئة الخصبة لجذب الاستثمارات وتنشيط الاقتصاد بعيداً عن تأثير النفط فيه والمساهمة بتسريع حلول الإشكاليات الاقتصادية وعلى رأسها البطالة المؤشر الرئيس لتقييم التنمية والمؤثر الأكبر على معدلات النمو الاقتصادي.
نقلا عن جريدة الجزيرة
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
مقال جميل . ولا يوجد هيئه ذات موثوقيه لتحديد المدراء البيروقراطيين المتواجدين في الدوائر الحكوميه ليتم طردهم فهم مثل السرطان ينتشر في الجسم ثم يقتل فجأه !!! من عيوبهم ايضا انه لا يعرف قدراته الشخصيه ولا يعرف قدرات ادارته ولا قدرات الجهات الاخرى عايش في احلامه ويريد تطبيقها على الواقع عن طريق الموظفين والظهرو امامهم انه مثالي وهم سيئين !!