المواطن أولاً

21/04/2014 2
سعيد بن زقر

نشرت صحف الأربعاء 9 أبريل الحالي تصريحًا لسمو الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولي ولي العهد بشأن الدور الاقتصادي الاجتماعي للمصارف المحلية منتقدًا شحّها وقلّة دعمها للعمل الخيري، واصفًا البنوك بأنها "منشار" داخل يأكل، وطالع يأكل، مُؤكِّدًا أولويات حكومة خادم الحرمين واهتمامها بالوطن والمواطن السعودي.

أداء البنوك المحلية بالنسبة لكاتب هذه السطور ظل مكان تقويم من زوايا تلامس مصالح الفرد وهمومه، وباستعادة المتابعين لمقالات سابقة، سيجدون أنها أشارت إلى أن المصارف المحلية تم تأسيسها على خلفية نفعية ضيّقة تستهدف جني الأرباح، وزيادة منافع ملاكها، ولا عجب إن ظلت شهيّتها باستمرار تسعى لزيادة الائتمان، وتسهيل آليات الحصول عليه، بغض النظر عن السلبيات التي تنتج عن ذلك، وهذا ما دفعني لأن أصف هذا الأسلوب المصرفي بأنه من حيث ضرره يُماثل الخلية السرطانية التي تُلحق أكبر أذى بالجسم، باستنزاف الأكسجين داخله حتى القضاء عليه، وبذلك تقضي على نفسها، والجسم الذي كان يُوفِّر لها الحياة، فالمصرف حين يُسهم في إفقار المجتمع، فإنه يُجفِّف منابع الأرباح، ويُدمِّر مصدرها، أي المجتمع المحلي، وليس ثمة ذكاء أن يبتلع المصرف كل الأرباح، فضلاً عن إعادة جزء من عائدها لصالح التنمية الاجتماعية، ولهذا ما أشار إليه الأمير مقرن تعبيرٌ صادقٌ وصحيحٌ بأن المصارف في أنحاء العالم، وفي الاقتصاد المحلي كالمنشار، تحرص على ابتلاع أكبر كمية من المنافع دخولاً وخروجًا، ولكنها تكون يدها مغلولة لعنقها عند الإسهام الخيري، بينما المطلوب جزء يسير من حجم العائد المدهش.

هذا الشحّ قد لا يكون نابعًا من (وصفة بخل) مكتوبة تتبعها إدارة البنوك، ولكنه يُجسِّد بنية ذهنية للمصارف، تقوم على أساس (أيدلوجي) خيالي، يستهدف حبس نسبة معينة من المجتمع في قفص الفقر والبطالة، لأن ذلك يُبرِّر توظيف آليات معيّنة في العملية الاقتصادية، وقد تتم تحت مُبرِّرات مختلفة تتبنَّاها فئة رأسمالية تمتلك الأصول والمصارف، وتُلوِّح بأهمية تفعيلها، ولهذا من مظاهرها ضغط الأجور إلى أسفل على أساس أن ذلك يساعد على كبح جماح التضخم في الاقتصاد، والحجة المقابلة تنفي هذه الافتراضات الخيالية، أو أفلام حرب النجوم، لأنها مبنيّة على علم اقتصادي قائم على مبادئ محاسبية ومعادلات رياضية حقيقية، وتنصح بأنه عوضًا عن منطق حبس نسبة من الأمة في قفص الفقر والبطالة، وتحمُّل تكلفة انحرافات اجتماعية وجرائم بطالة، الأنسب تبنِّي برنامج ضمان وظيفي تُسهم فيه المؤسسات المختلفة، وتُفصّل فيه وظائف للأفراد متى توفرت فيهم ثلاثة شروط: المقدرة، والرغبة في العمل، ووجود مهارات مع تعميمها وطبعها بطابع اجتماعي؛ يخاطب معدل طلب العمل، ويدفع باستمرار أكبر نسبة من المجتمع في مسار العملية الاقتصادية بأجور تُناسب متطلبات الفرد، وهذا التوجّه نجح في الحد من التكلفة الاجتماعية للبطالة، وخفّف من آثارها السلبية على المجتمع، ويؤدّي لخفض مُعدّل التضخم، ولهذا طَرْح هذا البرنامج برؤية اقتصادية اجتماعية قابلة للتطبيق سيُنفي الافتراض الخاطئ بأن نسبة البطالة في أي اقتصاد ضرورية للعملية الاقتصادية نفسها، وسيفضح الهدف بأنه تبرير لزيادة أرباح المصارف.

كاتب هذه السطور يرى الرؤية الاقتصادية الاجتماعية عبر برنامج موازٍ يمكن أن يكون مشروع رأس المال الاستثماري الاجتماعي، وتقوم فكرته على سياسات اقتصادية غير تقليدية تجمع رأس المال الاستثماري الاجتماعي والفكر؛ بهدف دعم روّاد الأعمال على بدايات صحيحة، أو مسار مُستدام يساعد على الاستحواذ على شركات قائمة لتطويرها، ومن ثم بيعها بعائد أفضل، والفكرة مُجرّبة، ومنطقها أنه بدلاً من تقديم الدعم الخيري لجمعية خيريّة، الأفضل تقديمها لأفراد يسعون لإنشاء أعمال خاصة، أي أن تقوم المصارف، أو رجال الأعمال في هذا المشروع بتبنِّي مؤسسات غير ربحية يُموّلون برامجها، وتستهدف روّاد الأعمال، واستيعاب الأيدي العاملة الوطنية، وبكل تواضع أضع هذه الرؤية أمام الجهات الرسمية في الدولة، وسأكون رهن الإشارة لترجمتها لعمل علمي قابل للتطبيق، وللحد من الفقر ومعدل البطالة، وبالتأكيد تقليل نسب الانحرافات الاجتماعية والظواهر ذات الصلة، كالطلاق والتشرد وغيرها من توابع الفقر وأعراضه.

إن تصريح سمو الأمير مقرن لامس وترًا حسَّاسًا لدى كثيرين، وأرجو أن تشاركنا مصارفنا المحلية الإحساس والرؤية، وتجسيد مقترح رأس المال الاستثماري الاجتماعي ليكون استجابة لنداء سمو الأمير مقرن.

نقلا عن جريدة المدينة