في منطقة الخليج العربي، تشير التقديرات إلى أن ما يزيد على 90% من كل النشاط التجاري وإجمالي الناتج المحلي غير النفطي، تسيطر عليه شركات عائلية، وبإجمالي أصول تصل إلى تريليون دولار.
وتلعب الشركات العائلية الخليجية دوراً هاماً ومتميزاً وأساسياً في النهضة الحديثة لدول مجلس التعاون الخليجي، وساهمت في تحقيق التوجهات الاقتصادية الهادفة لتطوير القطاعات الاقتصادية غير التقليدية في الاقتصاديات الخليجية (غير النفطية).
وتتضح أهمية الشركات العائلية في دول المجلس من حيث حجمها، إذ يبلغ عددها نحو 250 ألف شركة، في حين لا يزيد عدد الشركات المساهمة العامة على 300 شركة في هذه الدول.
وبطبيعة الحال، واجهت الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي قضايا العولمة وانفتاح الأسواق، منذ وقت مبكر، بالنظر إلى طبيعة النهج الاقتصادي الذي تتبناه هذه الدول، في الانفتاح وتحرير الأسواق.
وقد واكبت الشركات العائلية هذه التطورات العولمية، من خلال توسيع وتنويع نشاطاتها سواء جغرافيا أو قطاعيا، حيث بات الكثير من الشركات العائلية الخليجية يمتلك أعمالا تمتد لأكثر من صناعة واحدة أو بلد واحد.
لقد شهدت ساحة الشركات العالمية تطورات هائلة من حيث طرق تشغيل الشركات.
تقوم الشركات بالتوسع المستمر لنطاق أعمالها عالميا، حيث تمتلك فرق عمل متعددة الجنسيات وحتى الهياكل التنظيمية للشركات شهدت تغيرا جذريا، مع دخول هياكل الشركات التي تهيمن عليها مجالس الإدارة.
وإذ حققت هذه السياسة نجاحات كثيرة للشركات العائلية الخليجية، فإنها بذات الوقت عرضتها لتقلبات الاقتصاد العالمي والأزمات التي يمر بها بين الفينة والأخرى. وتتفاوت التقارير التي تتحدث عن أوضاع الشركات العائلية في دول المجلس، بعد هبوب رياح الأزمة المالية العالمية عام 2008، وبعد امتداد آثار الركود الاقتصادي في كافة الأنشطة في المنطقة.
وحتى قبل نشوب الأزمة المالية، كانت الشركات العائلية مثار جدل عالمي واسع؛ بسبب ما تواجهه من قضايا قديمة، ولكن متجددة، وخاصة قضايا الاستمرارية والخلافة والحوكمة والاستحواذ والتحول إلى شركات مساهمة والقيادة وغيرها من القضايا الهامة.
لكن الأزمات العالمية المتتالية، أظهرت أن معظم المؤسسات التي حققت النجاح وتمكنت من تحمل العواصف والأزمات التي تجتاح الشركات لا تزال شركات عائلية.
إن الشركات العملاقة مثل «وال-مارت» و«فورد» و«بيجو» و«ايكيا» و«تاتا» و«ال جي» و«سامسونغ»، كانت بدايتها جميعا شركات عائلية.
إن هذه المؤسسات لم تتمكن من تجاوز الأزمات الاقتصادية والحروب والخصومات العائلية وغيرها من التحديات فحسب، بل تفوقت في أدائها أيضا على نظيراتها.
وعودة للسؤال حول قدرة الشركات العائلية على مقاومة عواصف العولمة وانفتاح الأسواق، وما تجره من تقلبات وأزمات اقتصادية بين الآونة والأخرى، تبرز أمامنا عدد من وجهات النظر المتفاوتة حول هذا الموضوع.
وجهة النظر الأولى تقول إن الشركات العائلية خسرت نصف ثرواتها أي 500 مليار دولار، خلال الأزمة المالية.
ويعزي محللون هذه الخسائر إلى السياسات الإستراتيجية غير المدروسة في كثير من الأحيان، خاصة عندما تجاوزت الشركات العائلية خطوط أعمالها الرئيسية لتدخل في مضاربات العقارات والأوراق المالية تحت غطاء تنويع مصادر الدخل، خاصة أنها مثلت أنشطة مغرية من حيث العائد في وقت من الأوقات.
أما وجهة النظر الثانية فتقول إن معظم الشركات العائلية الكبرى في منطقة الخليج استطاعت تخطي الآثار السلبية لأزمة الأسواق المالية العالمية، نتيجة طبيعة النظام الداخلي لتلك المنشآت الصارم، ومتابعة ملاكها لأعمالها.
لكن وجهة النظر هذه تدعو الشركات العائلية لعدم الاستكانة إلى الوضع الحالي بدون تحقيق تطورات على صعيد التفكير المستقبلي بالإدارة الداخلية للشركات العائلية، خاصة الاهتمام بمواضيع الخلافة والدساتير العائلية.
ويقول تقرير صادر عن مؤسسة «أولِر هِرمس»: إن المؤسسات المملوكة من قبل عائلات كانت الأقل ضرراً من المؤسسات المساهمة غير العائلية، خلال الأزمة الراهنة.
لكن على الشركات العائلية الكثير من العمل والتطور؛ إذا ما أرادت الاستمرار، حيث تقول دراسة أخرى صادرة عن شركة أرنست آند يونغ الشرق الأوسط، تناولت مستقبل الشركات العائلية في ضوء التحديات الحالية، إن عدم التوصل إلى صيغة ملائمة للتخطيط الاستراتيجي في هذه الشركات، يشكل تحديا كبيرا في طريق استمرارها لما بعد الجيل الإداري الثالث، خاصة أن هذا الأمر يساهم في عدم وضوح الهيكل التنظيمي للشركات العائلية في الوقت الراهن.
أما وجهة النظر الثالثة، فتتبع نهجا أكثر تفاؤلا، حيث إن الأزمة المالية العالمية الراهنة تشكل فرصة حقيقية للشركات العائلية التي تمتلك سيولة فائضة للاستثمار في فرص تنطوي على قيمة عالية.
كما ترى وجهة النظر هذه، أن الشركات العائلية في وضع يؤهلها لمساعدة الحكومات والمؤسسات الرسمية، وباقي شركات القطاع الخاص؛ لتجاوز آثار الأزمة المالية العالمية، لما تملكه كثير من العائلات من عمق مالي ونقدي اكتسبته جراء السياسات التوسعية المحافظة التي قامت فيها خلال السنوات الماضية.
إن الشركات العائلية تملك وفورات كبيرة من السيولة والأصول شبه السائلة، على شكل ودائع وغيرها، تؤهلها للمساهمة مع الحكومات وصناديقها السيادية والاستثمارية؛ لوضع خطط إنقاذ استثماري بتوفير التمويل ضمن أسس تجارية للمشاريع المعطلة أو المتأخرة أو التي قطع عنها خطوط الائتمان.
كما أن الفرصة مواتية للشركات العائلية الخليجية في إعادة هيكلتها من خلال استحواذات جريئة واتباع استراتيجيات إبداعية؛ كي تعود بفائدة مزدوجة على أفراد العائلة المؤسسين والمستثمرين الخارجيين.
وأيا كانت وجهة النظر الأكثر صوابا، فإننا نرى أن العولمة وانفتاح الأسواق مثلما توفر فرصا وفيرة أمام الشركات العائلية للتوسع وتنويع الأعمال، فإنها تشكل أيضا تحديا ينطوي على مخاطر كثيرة.
وهنا تتجلى القدرات الذاتية الداخلية للشركات العائلية، في وضع الاستراتيجيات التي تؤمن تحقيق توازن سليم بين الجانبين.
نقلا عن جريدة اليوم