تنافس أم تكامل؟

31/03/2014 1
د. حسن العالي

يصطدم الحديث عن انتقال اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي من مرحلة التنافسية إلى مرحلة الاندماج والتكامل بالكثير من المحددات والحقائق على الأرض، والتي ضربت بجذورها عبر نحو أربعة عقود، هي عمر النهضة الاقتصادية الحديثة لهذه الدول التي بدأت منذ منتصف السبعينيات بعد الطفرة النفطية الأولى.

يقول الدكتور عبدالله القويز الأمين العام المساعد للشئون الاقتصادية السابق لدول مجلس التعاون الخليجي في محاضرة سابقة له: إنه إذا نظرنا إلى الحاضر نجد أنه رغم الأهمية النسبية للإنجازات التي حققها هذا المجلس، فقد تباينت الآراء حول تقييم أدائه خلال هذه المرحلة من عمره.

فبينما يرى البعض أن هذه الإنجازات ما زالت محدودة ودون المستوى المأمول فيه، ولم تلامس سقف طموحات شعوب المنطقة، أو لا تتسق مع طول الفترة الزمنية من عمر المجلس، يشيد البعض الآخر بهذه الإنجازات التي تمت في ظل ظروف إقليمية ودولية صعبة، وأن جهود المجلس قد نجحت في مجملها، في صياغة واقع اقتصادي وسياسي خليجي جديد، جوهره التشابك المتنامي للمصالح الاقتصادية لأعضائه في إطار المجلس، وإثبات وجوده وجدواه إقليمياً ودولياً.

ومن ناحية أخرى يرى المتخصصون، وفقا للدكتور القوير، أن إلقاء اللوم على أجهزة المجلس فيه كثير من التجاوز، فهناك قيود بنيوية اقتصادية، ومعوقات سياسية مؤسسية، عرقلت انطلاق التكامل الخليجي إلى آفاق أرحب وأبعد مدى، كتشابه اقتصاديات دول الخليج العربية، واستمرار تمسك هذه الدول بمفهوم جامد للسيادة لحداثة الاستقلال، وتركيز الصلاحيات في المجلس الأعلى، الأمر الذي أضعف من قدرة وأداء أجهزة التكامل.

فكما هو معروف، فإنه بقدر ما تمنح الدول الأعضاء أجهزة التكامل التنفيذية من صلاحيات وتفويضات، بقدر ما تتمكن هذه الأجهزة من دفع مسيرتها المشتركة.

ورغم حالة عدم الاستقرار الإقليمي المزمنة، تمكن المجلس في المجال الاقتصادي مثلاً من تحقيق منطقة التجارة الحرة عام 1983، ثم انتقل لمرحلة الاتحاد الجمركي في بداية عام 2003 وما حققه ذلك من نتائج.  وبالإضافة لذلك شكلت القرارات المتعلقة بالمواطنة الاقتصادية الخليجية التي اتخذت خلال الأعوام الماضية، إسهاماً تراكمياً في توسيع نطاق المساواة التامة بين مواطني المجلس في عدد من المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها.

ومجمل مضمون هذه القرارات عزز من إمكانيات تكوين البناء المؤسسي للسوق الخليجية المشتركة التي انطلقت مطلع العام 2008.  

ويرى الدكتور القويز أنه رغم الأهمية النسبية لهذه الإنجازات، إلا أن تأخرها وضعف فاعليتها يعودان لعدة أسباب في مقدمتها: توافر الموارد المالية الذاتية، والمحدودية النسبية لعدد السكان، وتبني مفهوم دولة الرفاهية والرعاية، رغم تراجعه النسبي، قد لا يسهل في هذه المرحلة، عملية الانتقال بمرحلة «التكامل/ الحاجة» الحالية إلى مرحلة أكثر تطوراً «للتكامل/ الضرورة»، لا سيما وأن هذه الدول قد حققت، منفردة، في المرحلة السابقة تقدماً ملحوظاً على مستوى الازدهار والتطور. والمكاسب الآنية الملموسة تحجب أحياناً الأهمية النسبية للمكاسب التكاملية المستقبلية صعبة القياس. 

يضاف إلى ذلك أن اقتصاديات دول مجلس التعاون ما زالت أجزاء من اقتصاد واحد تتشابه فيه عناصر الوفرة وعناصر الندرة، وما زالت جهود تنويع الهيكل الاقتصادي الخليجي محدودة النتائج، وتتزايد عولمتها على حساب أقلمتها، ولذا يصعب تطبيق مفهوم التكامل الوظيفي بمداه الكامل عليها. فمن المعروف أن التباين والفروق والمزايا النسبية في عوامل الإنتاج هي التي تفتح الباب أمام آفاق التكامل وتنشيط التبادل. 

 يضاف إلى ذلك انه إذا كانت الدول الأعضاء قد تمسكت طوال الفترة الماضية بمفهوم جامد للسيادة لحداثة استقلالها، فإن المرحلة القادمة تتطلب النظر في تفويض أجهزة المجلس بالمزيد من الصلاحيات لدفع مسار التكامل. كما تتطلب بنفس القدر دمج القدرات التنافسية لدول المجلس في برنامج للتكامل الاقتصادي فيما بينها.

ولكي يتم تضمين عوامل الوحدة والتكامل محركات القدرة التنافسية لا بد من إعادة صياغة الرؤية والبرامج الخاصة بهذه المحركات على أساس وحدوي تكاملي. وهذا يتطلب بدوره عدة اشتراطات رئيسية حتى يتحقق الانتقال من مرحلة التنافسية إلى مرحلة الاندماج والتكامل.

وأولى هذه الاشتراطات توفر الإرادة السياسية والمجتمعية لبلوغ أهداف الوحدة والتكامل وفقا لآليات تدعم تحقيق هذه الإرادة. غني عن القول، وكما نوه لذلك، الدكتور القويز، أن صيغة «مجلس التعاون» سواء القانونية والتشريعية أو البنيوية لم تعد قادرة على مواكبة تحديات المرحلة.

وقد أثبت تعثر مشاريع التكامل الرئيسية مثل التعرفة الجمركية والوحدة النقدية أن هناك حاجة ماسة لتفعيل ان لم نقل تغيير آليات اتخاذ القرارات ومتابعتها وتنفيذها.

فتسميات مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الآسيوي هي ليست فروقات شكلية في التسميات فحسب، بل هناك فروقات جوهرية في آليات اتخاذ القرار والصلاحيات وأجهزة الوحدة سواء المخططة أو المتابعة أو المنفذة. فمن المعروف أن أجهزة الاتحاد الأوروبي لها كافة الصلاحيات فيما يخص قضايا التكامل والتنسيق الاقتصادي الأوروبي.

وثاني تلك الاشتراطات هي الحاجة لوجود فكر اقتصادي خليجي تكاملي ووحدوي.

هناك حاجة كبيرة لأن تنهض مؤسسات البحث العلمي ومراكز الدراسات والبحوث المستقلة وفي الجامعات وفي مراكز التعاون الاقتصادي الخليجي باعباء كبيرة في استشراف الرؤى والأفكار المبتكرة النابعة من مسوحات ودراسات ميدانية للمعطيات الاقتصادية الخليجية.

وتكاد معظم الدراسات الخاصة بمشاريع التكامل الاقتصادي الخليجي بما في ذلك التي مولتها الهيئات الرسمية في مجلس التعاون يتم إعدادها من قبل مؤسسات دولية سعت بالدرجة الأولى إلى استنساخ التجارب العالمية، كما هو الحال بالنسبة لمعايير الوحدة النقدية الخليجية المستقاة من التجربة الأوروبية، بينما تعاني هذه المعايير اليوم من خلل في التقريب والتطبيق. 

نحن بحاجة إلى فكر اقتصادي تكاملي نابع من المعطيات الخليجية الخاصة المنفتحة بالدرجة الأولى على أفقها العربي أولا ثم العالمي وليس العكس، حيث إن معظم جهود التطور الاقتصادي المحلية تضع نصب أعينها التكامل العالمي قبل الخليجي والعربي.

نقلا عن جريدة اليوم