تقتضي رسالة المصارف الإسلامية المتمثلة باستلهام مبادئ الشريعة ومقاصدها ترتيب أولويات الفئات والشرائح المستحقة للتمويل سنداً لمبـدأ مؤداه أن وجود مستحقيـن للدعم والتمويـل لا يلغي أن ثمة أيضاً من هم أكثر استحقاقاً منهم، ما يستلزم من المصارف الإسلامية تقصّي المعلومات الدقيقة عن حقيقة أوضاع مختلف الشرائح الاجتماعية حتى يسهل استخدام صيغ التمويل المتعددة على أساس من العدل والإنصاف.
هذا الأمر يمثّل جوهر المسؤولية الاجتماعية لهذه المصارف التي تتجلّى في تحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة، خصوصاً من خلال تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر نتيجة الثقة المتزايدة بها والدور المتعاظم الذي تؤديه على مستوى العالم.
وثمة ضرورة لإعطاء الأولوية في هذا المضمار لتلك المنشآت المنتشرة في المناطق الريفية والنائية عن مراكز القرار السياسي توصلاً إلى وضع حد لسياسة التهميش المتبعة إزاءها وذلك من أجل تثبيت سكان هذه الأرياف في أرضهم وتشجيعهم على الاستثمار فيها وإشعارهم بالتالي بالأمان والطمأنينة إلى مستقبلهم ومستقبل أسرهم وعائلاتهم.
وغني عن القول إن استدامة نمو المصارف الإسلامية وازدهارها وصمودها في زمن الأزمات عائد إلى صدقيّة منطلقاتها وتوجهاتها في التمويل والاستثمار الرامية إلى الاستجابة لاحتياجات المستثمرين وسائر المتعاملين معها، ما يشكّل تطبيقاً فعلياً للدور المنوط بها أصلاً وشرعاً والممثل في قيامها بمسؤولياتها الاجتماعية إلى جانب مهماتها الأساسية، الأمر الذي يدفع بها إلى مرحلة التنافسية العالمية التي تتطلب بدورها تطوير الجوانب التنظيمية والشرعية والتشغيلية وتلك المتعلقة بإدارة الأخطار، فضلاً عن إدخال منتجات مصرفية إسلامية جديدة توازي مثيلاتها في المصارف التقليدية أو تحاكيها.
إذاً، المصارف الإسلامية معنية بالتوسّع في التمويل الاجتماعي لقطاعات الصحّة والتربية والإسكان والبيئية كأن تمنح قروضاً ميسرة إلى خريجي الجامعات والمشاريع الحرفية ورعاية الأيتام ودعم المتفوقين، ما يسهّل وصول خدمات هذه المصارف إلى مجتمعاتها المحلية والبيئة المحيطة بها، أي إلى شرائح واسعة في المجتمع، ما يفضي بدوره إلى زيادة في استقطابها الودائع.
وهذا يوضـح جـلياً المـسـؤولية الاجـتماعـية للمـصارف الإسلامية وحرصها على تطبيق التمويل المسؤول الذي يمكّن الزبائن من إدارة مديونياتهم في صورة مرنة تحول دون تحميلهم تكاليف ثقيلة ويعزز بالتالي إمكاناتهم في أداء موجباتهم العائلية وأي مستلزمات أخرى.
هذا علاوة على ضرورة تلبية المصارف الإسلامية احتياجات ذوي القدرات الخاصة (الصم والبكم والمكفوفين) باعتبارهم شريحة اجتماعية تتطلّع إلى فك قيود العزلة والغربة عنها سعياً إلى تعميق انتماء أفرادها واندماجهم في سائر شرائح المجتمع ووصولاً إلى تحقيق أهداف المصارف الإسلامية في مقاربات تنموية اقتصادية واجتماعية مستدامة.
نقلا عن جريدة الحياة