ربما يدور في أذهان بعض الناس تساؤلٌ حول المصارف التي تقدم منتجات يرونها متوافقة مع أحكام الشريعة، تساؤلٌ عن مدى التزامها بقرارات لجانها الشرعية، وقد يساور بعضَهم شكٌ في أن اللجان الشرعية لتلك المصارف لا تعدو أن تكون شكلاً من أشكال التسويق؛ لجذب المزيد من العملاء، ولترويج المنتجات، دون أن يكون لها أثرٌ عملي، وربما يكون سببَ وجود مثل هذا التساؤل هو عدمُ معرفة الكثير من الناس بهيكلة العمل الشرعي داخل المصارف التي تقدم -كلياً أو جزئياً- منتجاتٍ متوافقةً مع أحكام الشريعة، وعدمُ وضوح الإجراء المتبع الذي تقوم به المصارف بعد صدور قرارات لجانها الشرعية.
في المصارف التي تقدم منتجاتٍ متوافقةً مع أحكام الشريعة، يُكوِّن المصرفُ لجنتَه الشرعيةَ ويُعيِّن أعضاءها مِن قِبَلِ الجمعية العامة للمصرف، أو بقرارٍ من مجلس إدارة المصرف، بناءً على توصية لجنة الترشيحات والمكافآت التابعة لمجلس الإدارة، وتعتبر اللجنة الشرعية مستقلةً عن المصرف وجميعِ إداراته، وترتبط تنظيمياً بمجلس إدارة المصرف مباشرةً، وترفع محاضرها وتقاريرها الدورية إليه.
كما تُنشَأُ إدارةٌ مختصة بالعمل الشرعي داخل المصرف، وتكون حلقة الوصل بين اللجنة الشرعية والمصرف، وتُعنى بجميع المهام الشرعية المتعلقة بتنفيذ منتجات وعمليات المصرف المختلفة، كتقديم الاستشارات الشرعية لقطاعات المصرف المختلفة، وعرضِ المنتجات والمسائل الشرعية ذات العلاقة على اللجنة الشرعية، وإصدارِ القرارات الشرعية بشأنها، وإجراءِ أعمال الرقابة الشرعية، ودعمِ الأعمال، وغيرِها من المهام.
يتولى القسم المعنيُّ بأعمال الرقابة الشرعية للمصرف إجراءَ مراجعة شرعية شاملة بشكل دوري، وفق خطة سنوية، لعدد من إدارات المصرف، للتأكد من أن التطبيق العملي للمنتجات المتوافقة مع الشريعة وتسويقَها وتنفيذَها يتم وفق القرارات الصادرة من اللجنة الشرعية، والتأكدِ من عدم وجود أي مخالفة شرعية، وتطَّلِعُ اللجنة الشرعية ولجنة المراجعة التابعة لمجلس إدارة المصرف على التقارير الدورية بهذا الشأن، وفي حال وجود مخالفات شرعية يتم رفعها في تقرير الرقابة الشرعية، ولا تُقفل المخالفة الشرعية حتى تُعالج، وفي حال تعذر المعالجة يتم تصعيد المخالفة الشرعية إلى اللجنة الشرعية واللجان العليا بالمصرف لاتخاذ اللازم بشأنها، فالمسؤولية تعود إلى كفاءة وأمانة المراقبين الشرعيين في تنفيذ المهام الرقابية.
في المقال السابق والمعنون بــ "المالية الإسلامية لا تفسد للود قضية" تطرقتُ فيه إلى مظهر من مظاهر اختلاف العلماء الشرعيين في المسائل الشرعية، واستنباطاتِهم الفقهيةِ لاستخراج الحكم الشرعي، وأن كثيراً من الأحكام الفقهية تحتمل عدة آراء وتفسيرات شرعيةٍ يصعب من خلالها الجزم بصحة قول عن قول، إلا أن هناك تحدياتٍ وسلوكياتٍ تكون سبباً في وجود مخالفات شرعية ليس مردها إلى الاختلاف الفقهي بين العلماء، ولا إلى مصداقية اللجان الشرعية، ولا إلى موقف المصارف منها، بل إلى أسباب أخرى، منها عدم إلمام الموظفين القائمين على تنفيذ العمليات بأساسيات المعاملات المالية الإسلامية، وتأخرُ استيعاب تدريب جميع الموظفين في أوقات متقاربة، وعدمُ كفاية البرامج التدريبية ذاتِ العلاقة بالمعاملات المالية الإسلامية، وضعفُ كفاءة بعض من يتولى مهام الرقابة الشرعية، ويتضح من هذه الأمثلة أن وجود المخالفات الشرعية هو بسبب ممارسات عارضة في بعض المصارف، ولا يمكن تعميمها على الصناعة المالية الإسلامية.
ومن الجدير بالذكر أن البنك المركزيَّ السعوديَّ أولى اهتماماً بنشاط المصرفية الإسلامية، وأصدر عدداً من اللوائح التنظيمية المتعلقة بنشاط المصرفية الإسلامية، للوصول إلى حوكمة شرعية سليمة، وتعزيزاً لبيئة الالتزام بأحكام ومبادئ الشريعة، كإطار الحوكمة الشرعية للبنوك والمصارف المحلية، لوضع حد أدنى لممارسات الحوكمة الشرعية، وكإطارِ إدارة المخاطر للبنوك والمصارف التي تمارس نشاط المصرفية الإسلامية، وكقواعدِ حسابات الاستثمار القائمة على مشاركة الأرباح للبنوك والمصارف.
ما معنى (متوافق مع أحكام الشريعة)؟ هل معنى هذا أنه بالإستطاعة أخذ قرض بدون دفع عمولات وفوائد للبنك ؟