في ظل الأزمة المالية العالمية الراهنة وما خلفته وستخلفه من آثار وتداعيات على حياة الإنسان في كل مكان من وجه البسيطة، وفي خضم المعركة الراهنة التي يعيشها الإعلام الاقتصادي حول العالم لينقل لحظة بلحظة – للمشاهد والمستمع والقارئ - كل الأخبار والأنباء والقرارات السياسية والإقتصادية المؤثرة في مسار هذه الأزمة وتداعياتها، ومع توجه الكثير من الفضائيات العربية والأجنبية – المتخصصة وغير المتخصصة - لتغطية عجزها في مجال البرامج الاقتصادية الفاعلة والمؤثرة لتكون قادرة على مواكبة الأزمة – تحليلا واستشرافا واستنتاجا واستقراءا واستقصاءا - وما ماوراءها .. في أتون كل هذا الضجيج ظهر العديد من البرامج الاقتصادية الحوارية TALK SHOW - - على شاشات الفضائيات العربية وخاصة الخليجية وقد تباين أداء هذه البرامج فاشتهر بعضها على النطاق المحلي والخليجي وترك أثرا طيبا لدى المتابع، في حين فشل معظمها في اختبار ذاكرة المشاهد .. وهنا يمكن طرح سؤال جدير بالإهتمام .. من هي الجهة المخولة أكثر من غيرها في تحديد البرنامج الأفضل؟ .. قد تختلف الإجابة من شخص لأخر تبعا لثقافته وفكره وقناعاته فقد يرد أحدهم بأن المخول هو المشاهد .. وقد يجيب آخر بأنها المهرجانات ولجان التحكيم وفي جميع الأحوال لا يمكن استبعاد إجابات كثيرة أخرى بمعنى وبلا معنى.
لا شك أن للمشاهد دورا كبيرا في تحديد أهمية البرنامج فكلما ازداد عدد المشاهدين كلما ازدات شعبية البرنامج التلفزيوني كلما شد انتباه الرعاة وبالتالي ضمن الاستمرار. ووفق المقاييس التجارية المنتشرة حاليا لدى الكثير من المؤسسات الإعلامية يعتبر البرنامج ناجحا إذا جذب نسبة عالية من المشاهدين وحظي باهتمام الرعاة وحقق عوائد مادية جيدة - بغض النظر عن المحتوى الثقافي، الفكري، التوعوي، الإنساني، الفني – أما في حال غياب العائد المادي فهو برنامج فاشل في نظر الكثير من المحطات .. ولكن هل هذه هي الزاوية التي تنظر من خلالها المهرجانات ولجان التحكيم إلى البرامج التلفزيونية ؟.. بالطبع لا .. فلجان التحكيم في المهرجانات تنظر أولا إلى ما يقدمه البرنامج التلفزيوني من محتوى إنساني، إبداعي، فكري، فلسفي .. وعلى ضوء هذه الأبعاد يتم اختيار البرنامج الأفضل والأجدر بالفوز واستبعاد البرامج الأخرى مهما كانت شعبيتها وعوائدها المادية عالية.
مساء يوم الخميس الموافق 11/2/2010 وبعد اجتماعات مطولة للجان التحكيم المكلفة باختيار الأعمال التلفزيونية الفائزة في مهرجان الخليج الحادي عشر للإذاعة والتلفزيون جرى الإعلان عن البرامج الفائزة بجوائز المهرجان – ما يهمنا في هذا المقام هو البرامج الإقتصادية – وكانت الجائزة الذهبية من نصيب برنامج "المؤشر" الذي يعرض على شاشة تلفزيون سما دبي كل يوم سبت الساعة العاشـرة ليلا من إعداد محمد سليمان يوسف وتقديم مروان الحل، أما الجائزة الفضية فذهبت لبرنامج احداثيات اقتصادية من تلفزيون قطر .. وقد يخطر ببال البعض طرح سؤال مشروع .. لماذا فاز المؤشر بالجائزة الذهبية وليس غيره؟.. وللإجابة على هذا السؤال يمكننا أن نقول: "إنه قرار لجنة التحكيم وكفى" .. ويمكننا أن نستدرك ونقول لأنه برنامج حواري مكتمل فنيا وموضوعيا فمن وجهة نظري المتواضعة أزعم أن البرنامج الحواري مهما كان تصنيفه اقتصادي أم لا يقوم على "موضوع ترفعه أربعة أعمدة" أرتبها حسب أهميتها – المعد الباحث، المحاور المطلع، الضيف ذي الشأن، الجمهور المهتم – وخلال المواسم الخمسة الماضية من عرضه تمكن برنامج المؤشر من تحقيق هذه المعادلة الصعبة ولعل هذا ما وضعه تحت مجهر لجنة التحكيم ومكنه من الإستحواذ على اهتمامها والفوز بالجائزة الذهبية.
إن إفراد مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون في دورته الأخيرة ندوة بعنوان "الإعلام الإقتصادي العربي ماله وما عليه" لدلالة كبيرة على الأهمية المتنامية لهذا الفرع من الإعلام وضرورة تسليط الضوء على متطلبات النهوض به حاليا ومستقبليا وحاجة المنطقة - العربية والخليجية – له وأن لا تكتفي المؤسسات والهيئات الإعلامية الفاعلة حاليا على الساحة بتحويل الصحفي من مجالات السياسة والحوادث والثقافة والبيئة إلى المجال الاقتصادي فهذه الطريقة الساذجة والسخيفة في التعاطي مع الإعلام الاقتصادي ستؤدي مستقبلا إلى عرقلة نموه وستقفل أبواب الإبداع لديه، أما المطلوب فعلا من تلك المؤسسات والهيئات فهو البحث عن هواة ومواهب تعشق الإعلام الاقتصادي ثم تعمل على تدريبها ورفع كفاءتها ومساعدتها على ارتقاء طريق الإحتراف والمحافظة على ما لديها من كفاءات والحيلولة دون تسربها بسبب "البخل المادي" فالإعلامي الاقتصادي العربي ما زال مهدور الحقوق المادية والمعنوية خلافا لما هو عليه وضع الإعلامي الاقتصادي في الدول الغربية والمتقدمة حيث يبلغ راتبه أضعاف ما يتقاضاه الإعلامي الاقتصادي العربي.
مبروك الفوز بالجائزة الأولى استاذ محمد... تستاهل
تستاهل يا ابو سليمان ولو اني ما اتابع البرامج الفضائية غالبا لكن قلمك محل متابعة