عندما نتجاهل الأسباب الحقيقية لمشاكلنا «2»

13/03/2014 0
د.فهد صالح عبدالله السلطان

لعلنا نتفق على أن من أهم التحديات التي تواجه المجتمع العالمي والمحلي هي تجاهل الأسباب الكامنة وراء المشاكل الجوهرية مما يفضي إلى طول أمدها.

ناقشنا في المقال السابق تجاهل المجتمع العالمي لأسباب مشكلة نقص المخزون الغذائي، وأن جل التحذيرات التي رفعت في السابق عن الأزمة تشير بأصابع الاتهام إلى النمو الكبير في عدد سكان العالم بما يفوق مساحة الرقعة الزراعية مع تراجع الأراضي الخصبة بفعل التصحر وغيره.. أي قلة الغذاء في مقابل عدد السكان.

وقد ناقش المقال خطأ هذا المفهوم وأن زيادة السكان لا تمثل تهديداً للعالم كما يدعيه هؤلاء.. وأن التهديد الحقيقي لنقص المخزون الغذائي يعود في كثير من أسبابه إلى سوء الإدارة في الزراعة والإنتاج والنقل والتوزيع وإلى الاستهلاك الترفي والتفريط والتبذير (waste).

الأرقام والحقائق المنشورة في العام 2013 تؤصل الأسباب الحقيقية للنقص المستمر في الغذاء ولكمية العرض مقابل الطلب في المستقبل المنظور، ولغة الأرقام لا تكذب كما يقال.

الأرقام والحقائق أدناه توضح للقارئ الكريم أسباب المشكلة الرئيسة في أبعادها الثلاثة: الإنتاج والتوزيع والاستهلاك.

حيث تشير الدلائل الإحصائية إلى أن 30% من الخضروات البريطانية لا يتم حصدها وتموت في المزارع.. وأن الموزعين والباعة في العالم المتحضر يساهمون في إضاعة 1.6 مليون طن سنوياً من المواد الغذائية.. وفوق ذلك فإن وسائل الترويج ومحفزات التسوق والشراء (promotion) للمواد الغذائية في المجتمعات الغربيه تساهم في قيام المستهلكين بشراء كميات تفوق حاجاتهم الفعلية مما يزيد من نهج إضاعة وتبذير30 - 50% مما يتم شراؤه من الأغذية حيث يتم رمية في حاويات النظافة.

في الجانب الآخر من المعمورة وفي دول جنوب شرق آسيا تشير الإحصاءات إلى أن ما بين 37 - 80% مما يمكن إنتاجه من الأرز - على سبيل المثال - يضيع في أحد مراحل الإنتاج والتوزيع.

وفي أفريقيا السوداء يتم فقد نفس النسبة تقريباً في مراحل الحصاد والنقل والتوزيع.

وفي دول الثروة النفطية والاقتصاد الريعي يتم استنزاف وإضاعة كثير من المواد الغذائية لأسباب تعود إلى ترف العيش ومحدودية الوعي الاجتماعي.. ففي دول الخليج العربية يُرمى في حاويات المخلفات ما يربو على 35% من الأطعمة، وتساهم العادات الاجتماعية في الولائم في استنزاف ما يزيد على 60% عن الحاجة الفعلية.

ومما يزيد المعضلة وضوحاً وتعقيداً أن كل العناصر الأساسية الثلاثة للزراعة والإنتاج الغذائي (الأرض والماء والطاقة) عناصر محدودة.. فعلى الرغم من أهمية الماء - على سبيل المثال - وندرته في العصر الحاضر فإن 70% من المياه العالمية النقية تستخدم لأغراض الزراعة. الذي أردت أن أصل إليه باختصار أن النمو السكاني ليس مسؤولاً عن نقص الغذاء في المستقبل.. وأن سوء الإدارة في مراحل الإنتاج والنقل والتوزيع وتخلف التقنية وأساليب الاستهلاك الترفي تقف وراء الأسباب الحقيقية لتراجع مخزون الغذاء مقابل النمو السكاني.

لعل هذا الطرح يساعدنا على الوقوف على الأسباب الحقيقية تجاه هذا التحدي، وبالتالي إيجاد الحلول العملية - بإذن الله -. والله من وراء القصد.

نقلا عن جريدة الجزيرة