النمو في المنطقة لا يقلّص البطالة

26/02/2014 0
الحسن عاشي

تعاني الآفاق الاقتصادية القصيرة الأمد للبلدان العربية بسبب عمليات الانتقال السياسي الصعبة والشكوك الإقليمية المتزايدة التي تؤجّجها الحرب في سورية وتداعياتها في لبنان والأردن، والتطوّرات الأمنية المتلاحقة في العراق وليبيا واليمن ومصر وتونس.

ويتوقّع صندوق النقد الدولي أن تسجّل البلدان العربية متوسط نمو اقتصادي يقلّ عن 4 في المئة في 2014، وهي نسبة متواضعة نظراً إلى حجم التحديات التي تواجهها المنطقة، ودون المستوى الضروري لتقليص معدلات البطالة المرتفعة، خصوصاً بين الفئات العمرية الشابة، وتحسين مستويات المعيشة المتدنّية خصوصاً في البلدان المستوردة للنفط.

ويُتوقَّع أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2014 إلى أربعة في المئة في الدول العربية المصدرة للنفط، مقارنةً بأقلّ من اثنين في المئة في 2013.

وتتعرض أسعار النفط إلى ضغوط متباينة نتيجة عاملين رئيسين:

أولاً، يؤدي الوضع الأمني الهش وتكرار انقطاع إمدادات النفط في ليبيا والعراق واليمن، إلى تأجيج الشكوك الجيوسياسية الإقليمية والدفع بأسعار النفط في اتجاه تصاعدي؛ ثانياً، يساهم التلكؤ الذي يشهده الطلب العالمي على النفط بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي وتزايد مصادر الطاقة غير التقليدية، في الضغط على أسعار النفط في اتجاه نزولي.

ويخفي الفائض الإجمالي للموازنات الحكومية للدول المصدّرة للنفط، الذي يمثل 4.25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2013، تفاوتاً واضحاً بين البلدان يجعلها تنكشف على الأخطار المستقبلية في شكل متباين.

ودفعت الضغوط الاجتماعية المحلية والتوتّرات الإقليمية منذ اندلاع «الانتفاضات العربية» الحكومات إلى زيادة أجور الموظفين الحكوميين، ورفع موازنات الدعم والتحويلات الاجتماعية المختلفة.

وتسببت تلك الخطوات في زيادة حدة اعتماد الحكومات على إيرادات النفط للحفاظ على قدرتها في تمويل موازناتها.

وعلى رغم ارتفاع أسعار النفط في شكل غير مسبوق، بلغ 70 دولاراً منذ بداية العقد الأول من القرن الحالي، تعجز دول كالجزائر والبحرين والعراق وليبيا في تحقيق التوازن بين إنفاقها وإيراداتها في ظل الأسعار العالمية الحالية للنفط.

وتتراجع فوائض الحسابات الخارجية للدول النفطية أيضاً بسبب تراجع إنتاج النفط من جهة، والتزايد السريع لوتيرة الاستهلاك المحلي من جهة ثانية.

وتملك غالبية الدول أدوات محدودة للتصدّي للصدمات غير المتوقّعة أو لضمان مستويات إنفاقٍ دائمة للأجيال المقبلة.

ويتطلب تحليل الآفاق الاقتصادية من صانعي القرار في الدول النفطية العملَ على وضع الأسس الكفيلة بضبط التضخم في إنفاقها، عبر ترشيد إيراداتها والانخراط الجدي في إصلاحات هيكلية لجهة تعزيز نمو قاعدة عريضة ومتنوّعة من القطاع الخاص تساهم في توفير الوظائف والتخفيف من حدة الفوارق الاجتماعية والإقليمية على حد سواء.

وينبغي التأكيد على أن سياسات التوظيف التي تقوم على منح المواطنين وظائف مستقرة وبأجور مرتفعة في القطاع الحكومي تُحدِث تشوّهات في أسواق العمل وتعوق الجهود المبذولة لتنمية القطاع الخاص وتنويع الاقتصاد.

وتبدو الآفاق الاقتصادية أكثر ضبابية في البلدان العربية المستوردة للنفط، خصوصاً سورية ومصر وتونس حيث تضرّ المخاوف الأمنية بالبيئة العامة للاستثمار، وتساهم في عرقلة النشاط الاقتصادي.

ويفاقم النمو الاقتصادي البطيء مناخ السخط الاجتماعي في شكل استمرار الإضرابات والاحتجاجات التي تؤجّل عملية التعافي الاقتصادي.

وتؤدي الجدلية القائمة إلى مزيد من تعثر جهود الانتقال السياسي وانخراط بلدان مثل تونس ومصر واليمن في حلقة مفرغة تهدّد ثقة الشعوب في المستقبل.

وقد تسبب التوتّرات الجيوسياسية إلى ارتفاع حادّ في أسعار النفط، الأمر الذي يعوق النمو الاقتصادي، ويتسبب بتفاقم العجز بشقّيه الداخلي والخارجي.

وتعاني دول المغرب العربي خصوصاً استمرار تباطؤ النمو في الاتحاد الأوروبي، الذي يُعَدّ شريكها الاقتصادي الأساسي، ويُحتمَل أن تمتدّ الآثار السلبية للتعثر الأوروبي إلى قطاعات السياحة والصادرات وتحويلات المهاجرين.

ويزيد ضعف احتياطات النقد الأجنبي للدول المستوردة للنفط، وتزايد عجز حساباتها الجارية، وارتفاع مستوى دينها العام، من انكشافها على الصدمات الخارجية.

وعلى رغم التطورات الإيجابية التي سجّلتها الحسابات الجارية في مصر والأردن والمغرب وتونس من خلال إصدارات سندات الاقتراض الدولية وتلقي منح ومساعدات أجنبية، لا تزال هذه البلدان تعتمد في شكل كبير على المصارف المحلية لتلبية حاجاتها التمويلية، ما يفضي إلى تقليص حجم الائتمان المصرفي المتاح للقطاع الخاص.

وتتعرض الدول العربية المستوردة للنفط إلى ضغوط خارجية متزايدة لضبط العجز في موازناتها الحكومية. وتخشى حكومات هذه الدول من الاضطرابات الاجتماعية المحتملة التي قد تثيرها أي سياسات تقشفية في ظل ظروف سياسية لا تزال تتسم بالهشاشة.

وتركز الضغوط على ضرورة إعادة تخصيص موازنة دعم المحروقات لأمرين:

أولاً، إنعاش النشاط الاقتصادي من خلال الاستثمارات الحكومية التي تعزّز النمو وتولد الوظائف؛ ثانياً، إصلاح منظومة الدعم الشامل لأسعار المحروقات بتوجيه المساعدات الحكومية نحو الفئات الأكثر حاجة في شكل مستهدف.

وبادرت حكومات الأردن والمغرب ومصر إلى اتخاذ تدابير مختلفة لإحداث القطيعة مع منظومة الدعم الشامل، وتشكل الشهور المقبلة مرحلة حاسمة في تقويم مدى نجاحها.

ويؤدّي مناخ الأعمال الهش وغير الشفاف في معظم بلدان العالم العربي، خصوصاً بالنسبة إلى المؤسسات المتوسطة والصغيرة، فضلاً عن أسواق العمل غير المندمجة بسبب حجم التوظيف الحكومي، وانتشار القطاع غير النظامي، وصلابة اللوائح التي تنظم التوظيف في القطاع الخاص النظامي، إلى تخصيص مشوّه لرأس المال البشري.

وتسفر هذه العوامل مجتمعة عن إضعاف الإنتاجية وإنهاك القدرة التنافسية للمؤسسات في ظل غياب الإصلاحات الهيكلية العميقة الكفيلة بالحد من تقلب النمو الاقتصادي، وتعزيز قدرة الاقتصاد على إيجاد فرص عمل جيدة تساهم في تحسين مستويات المعيشة.

نقلا عن جريدة الحياة