اقتصاد المعرفة والإنفاق العربي المحدود

20/02/2014 0
عامر ذياب التميمي

يعني اقتصاد المعرفة النظام الاقتصادي الذي يعتمد على نشاطات تستمد قوتها من المدخلات العلمية والمعرفية وعناصر الإبداع المستخدمة في إنتاج مخرجاتها.

وطورت بلدان مهمة أوضاعها الاقتصادية بناء على العلم والإبداع والابتكار وتوظيف الخبرات وليس فقط الموارد الطبيعية.

وتقدّمت اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة اقتصادياً خلال القرن العشرين، ولا يعود ذلك إلى ما تملكه هذه البلدان من موارد وثروات طبيعية بمقدار ما يرجع إلى ما كسبته من خبرات ومعرفة في مختلف المجالات الاقتصادية وما تعلمته من تجارب البلدان الأخرى التي تطورت في مجال الصناعات التحويلية المختلفة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وتحولت من بلدان تسعى إلى التوسع جغرافياً إلى بلدان تتوسع في التصدير، وتمكنت صناعاتها من أن تنتصر بالمنافسة على صناعات في بلدان عدة في أوروبا وأميركا الشمالية.

واليابان التي استوردت المواد الخام الضرورية لصناعاتها من بلدان عدة عززت بالتطوير والإبداع قدراتها التنافسية في الصناعات المتنوعة مثل صناعة السيارات والصناعات الإلكترونية لدرجة أن كثيراً من الصناعات المشابهة في بلدان مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة أصبحت غير قادرة على تأكيد استمرارية جدواها الاقتصادية نتيجة لتلك المنافسة.

وتعززت هذه الإمكانيات التنافسية بفعل التقنيات الحديثة وتطبيقاتها، ليس فقط في اليابان ولكن أيضاً في كوريا الجنوبية وتايوان وماليزيا وعدد آخر من البلدان الأسيوية.

ويعرّف الاقتصاديون مفهوم «اقتصاد المعرفة» بالقدرة على استخدام المعرفة لإنتاج قيم مضافة ملموسة أو غير ملموسة.

إذاً لا بد من الاعتماد في إنتاج تلك القيم الاقتصادية على القدرات البشرية ومدى تأهيلها العلمي والمعرفي لتحقيق تلك الأهداف.

ولا يعني اقتصاد المعرفة التحرر من الاستفادة من الموارد الطبيعية وغيرها أو التوظيفات المالية، ولكن يعني كيف يمكن توظيف التأهيل العلمي والمعرفي والتدريب المهني لزيادة النتائج في أي نشاط اقتصادي.

لذلك فالبلدان التي تملك كوادر بشرية مؤهلة تعليمياً في شكل جيد أو تملك يد عاملة مدربة ومؤهلة مهنياً لا بد من أن ترتقي قدراتها الإنتاجية وأن تتحسن درجة المنافسة لديها في أسواق التصدير.

وفي الوقت ذاته لن تتمكن المنتجات المستوردة من الخارج من أن تنافس المنتجات المحلية، ولا بد من أن يحقق الميزان التجاري وميزان المدفوعات لديها فوائض.

ويمكن الزعم أن التطور الاقتصادي في العالم، وفي مختلف المراحل التاريخية، اعتمد على التحولات المعرفية لدى الإنسان.

فالتطور من الزراعة إلى الصناعة في أوروبا خلال القرن التاسع عشر اعتمد على اختراع البخار واستخداماته في الصناعات التحويلية. وعززت المؤسسات التعليمية مثل الجامعات والمعاهد من القدرات على تطوير الصناعة والزراعة ثم الخدمات المالية وغيرها بما مكن من تحسين عطاء تلك القطاعات في شكل أفضل وبتكاليف معقولة.

وخلال سنوات القرن العشرين ومع تزايد أعداد المتعلمين وخريجي الجامعات والمعاهد التطبيقية في البلدان المتقدمة تحسنت مخرجات الصناعة والزراعة وأصبحت الخدمات من النشاطات سريعة النمو وتساهم أيضاً في خلق فرص العمل.

ويشهد العديد من الصناعات الحيوية توظيفات واسعة للتقنيات الحديثة وخفضاً للاعتماد على اليد العاملة غير المدربة وغير الماهرة بل إن البعض منها يفضل استخدام الروبوت في الأعمال الإنتاجية.

غني عن البيان أن التقدم في اقتصادات المعرفة يتطلب إنفاقاً سخياً على البحوث والتطوير، وهذا الإنفاق لا بد من أن يزيد من القدرات الإنتاجية في العديد من البلدان.

وتتفاوت مستويات الإنفاق على البحوث والتطوير في البلدان فإسرائيل، مثلاً، من أعلى البلدان إنفاقاً نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي (4.2 في المئة)، فيما تأتي كوريا الجنوبية في المرتبة الثانية بنسبة 3.7 في المئة تليها اليابان (3.6 في المئة) فالولايات المتحدة (2.7 في المئة).

وثمة علاقة طردية بين الإنفاق على البحوث والتطوير وبين الأداء الاقتصادي. ولا يمكن اعتبار البلدان العربية من البلدان السخية في الإنفاق على المعرفة والعلم.

وتأتي السعودية في المرتبة الأولى عربياً والـ 32 عالمياً وبنسبة 0.25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وبمقدار 1.8 بليون دولار سنوياً. أما بقية البلدان العربية فلا يصل إنفاق كل منها إلى بليون دولار سنوياً.

وقد لا ترى نخب عربية حاكمة كثيرة أولوية للإنفاق على البحوث والتطوير إذ تعتقد بأن المصاعب الاقتصادية والمعيشية تحتم عليها تبني أولويات أكثر إلحاحاً مثل تأمين الغذاء والدواء والوقود للفئات الاجتماعية المهشمة وخلق فرص العمل بغض النظر عن إنتاجيتها من أجل خفض معدلات البطالة وتمكين البشر من كسب مداخيل تساعدهم في مواجهة أعباء الحياة.

ويعتمد اقتصاد المعرفة على وجود مؤسسات بحثية يمكن أن تكون تابعة للجامعات والمعاهد العليا أو مستقلة أو ممولة من شركات ومؤسسات اقتصادية.

وطورت مؤسسات كثيرة في القطاع الخاص في البلدان الصناعية المتقدمة نتائجها من خلال التعاون مع المؤسسات البحثية بما ساعدها على تحسين قدراتها الإنتاجية والتسويقية والإدارية وأوجد لها منافذ للتغلب على المصاعب التقنية في أعمالها.

وتعاقدت مؤسسات كثيرة في القطاع الخاص في البلدان المذكورة مع مؤسسات بحثية لدرس أوضاعها المالية والتعرف إلى أفضل البدائل المتاحة للتمويل والتي تخفض كلفة رأس المال.

ويمكن الاستنتاج بأن اقتصاد المعرفة يعني التوظيف الأمثل للعلم والتعليم والارتقاء بالقدرات البشرية والتقنية من أجل تحسين الأداء وتعزيز العائدات الاقتصادية، سواء كان ذلك على مستوى البلدان أو المؤسسات.

نقلا عن جريدة الحياة