ما المشكلة أن يحكم السيسي؟.. إنه الاقتصاد يا أخي

12/02/2014 10
مازن السديري

لقد استغربت كثرة المعارضين لفكرة وصول قائد الجيش المصري السيسي إلى سدة الحكم في مصر، رغم أنه لو صار فإنه سوف يكون عبر صندوق الانتخابات، وكانت بعض الآراء تحمل المزايدة وحب الظهور، وآراء أخرى أختلف معها ولكنها تنبع من زوايا أخلاقية مثل رأي الأستاذ محمد علي المحمود، الذي يعارض الفكرة وهو كمثقف حقيقي يخشى أن تمس وتخدش المسيرة الديمقراطية وحركة الحرية هناك.

أولاً: منذ اندلاع ما يسمى بالربيع العربي حضر عدد من الاقتصاديين حول العالم من فرنسا والصين والبيرو لدراسة الظاهرة، ومنهم من أقام في القاهرة لأشهر، وكنت على اطلاع على أبحاثهم، وكان من النقاط التي رصدت منهم وراجعتها أنا بنفسي أن عدد الذين أحرقوا أنفسهم هم 65 عربيا من سبع دول، اثنان منهم كانوا في الأرياف ويصعب فهم أوضاعهم، أما 63 الباقون فكانوا باعة متجولين وعمالا بأجور يومية انتحروا نتيجة الضيق والفقر ولم يكونوا صحفيين أو طلبة جامعة أو ناشطين باسم الحرية، أي أن لا أحد بينهم يشبه طالب الجامعة (باليتشي) التشيكي الذي أحرق نفسه احتجاجا على القمع ومصادرة الحريات، كان الأجدى تسميته (الجوع العربي) بدلا من (الربيع العربي).

ثانياً: كمبدأ؛ ما الضير في أن يكون الرئيس المنتخب ذا خلفية عسكرية؟ الجواب لدى الغالبية الرافضة أنه وسيلة وقناع لسيطرة الجيش، مع العلم أن الجيش سلم السلطة سنة لإدارة اختارها الشعب، وجميعنا يعرف تغير الأوضاع في مصر وإرادة الشعب لا يمكن أن تقمع، أي أن إدارة قادمة لمصر إذا عجزت عن تحيق التنمية أو مست مبادئ الحرية فسوف يقابلها رفض شعبي وتصادم وهذا آخر ما يريده الجيش.

ثالثاً: الجيش كمؤسسة كبيرة ومتنوعة النشاطات لإدارة جعلت البعض ينظر لها كمجموعة تجارية وليس مؤسسة وطنية، مع العلم أننا لم نشهد جنرالا أو مسؤولا عسكريا مصريا حقق الثراء عبر الجيش، مع العلم أن تنوع الأنشطة للجيش جعله يقوم بتمويل نفسه ذاتيا دون أن يكون عبئا على الموازنة العامة للدولة مثل الجيش الإسرائيلي.. وهناك إضافة أخرى هي امتلاك الجيش لكوادر بشرية متنوعة في شتى المجالات، ترى هل الأحزاب السياسية الأخرى هناك تمتلك هذا التنوع في الكوادر في ما يمس القضايا الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية؟ الجواب لا.. وبكل بساطة انظروا لتاريخ كوادر الأحزاب الأخرى ومؤهلاتهم فأكثر من نصفهم صحفيون معارضون منذ أيام مبارك أو حتى السادات، وبعضهم محامون لنفس زملائهم الصحفيين، لكن لو نظرنا للغرب أولا نجد كل رئيس منتخب يأتي بفريقه الإداري من البيئة السياسية النشطة والمشبعة بالكفاءات سواء من المجالس النيابية أو المؤسسات الوطنية ومنها الجيش أو من خارجها في حال وجود نشاط اقتصادي ضخم.

سؤال: ألم يأتِ (ديغول) لإدارة فرنسا وهو ابن الجيش الفرنسي بعد انهيار الحركات الحزبية الفرنسية وفقدانها مصداقية الشعب؟ وتشكل بعد ذلك ما سمي بالتيار اليميني الديغولي الذي قاد فرنسا بكل كفاءة لأن تتحول من دولة زراعية إلى دولة صناعية تقنية تمتلك الطاقة النووية.

رابعاً: يقال إنه يوجد حاليا حركة تكميم للأفواه والحريات، طبعا هذا غير مقبول، ولكن هل الإعلام المصري بصراحة مستقل برغم وجود قوانين تعطيه كامل الحرية؟ الجواب لا، ونحن (نعلم البترودولارات) التي تدخل إلى مصر وتنفق على الإعلام (بعض المذيعين يشحتون على الهواء) وتشوه الوعي الجماعي وتعمي المصريين عن أهم احتياجاتهم، في فرنسا أصدر الرئيس (ساركوزي) قراراً بمنع الإعلانات على القنوات الرسمية لتحرير الإعلام من هيمنة المال، وكذلك هيئة الإذاعة البريطانية، هذه الأرضية غير موجودة للأسف في مصر.

لكن ماذا عن القضايا الرئيسية التي لا يفتحها الإعلام المصري، والدراسات تشير بأن أي مصري يريد القيام بنشاط بسيط مثل مخبز فهو بحاجة إلى مراجعة 29 دائرة حكومية ومطابقة 215 مادة قانونية، في ظل هذا التحجّر سليجأ للرشاوى والفساد دون رغبة منه، ماذا عن الدعم في الغذاء والطاقة التي تنهك احتياطيات العملة الأجنبية لمصر؟.. هذا الإعلام هو المطلوب لتوعية الناس بالحقيقة، التنمية انضباط وتضحية وعزيمة وليست فقط مظاهرة.

الغريب أن تهريب الآثار في مصر وسوء حمايتها لم يفتح من أي قناة مصرية باستثناء قناة (العربية) نتيجة الألم الوطني الذي يشعر به فريق العربية هناك.. أخيرا إذا كان البعض يرى بأن وصول قيادات من الجيش غير طبيعي، فمن قال أصلا إن الأوضاع الحالية طبيعية.

نقلا عن جريدة الرياض