على خلفية قيام وكلاء وزارات المالية الخليجيين الأسبوع الماضي بمناقشة موضوع تعميق التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء في ضوء قرار المجلس الأعلى في دورته الثالثة والثلاثين التي عقدت في البحرين نهاية العام 2012، توضح البيانات الواردة على موقع الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي أن رأس المال الخليجي في المشروعات الخليجية المشتركة لا يزال يعتبر متواضعا، إذا ما قورن بحجم الاستثمار الخليجي في المشاريع المختلفة إذ لا تتجاوز نسبته 15% من إجمالي هذا الاستثمار، وهذا يوضح أن المشاركة الخليجية ما زالت متواضعة.
أما رأس المال الأجنبي فهو عازف عن المشاركة إذ لا تتعدى نسبته في المشروعات الخليجية المشتركة 3% من إجمالي الاستثمار.
وهذا يوضح بأن رأس المال الوطني هو الغالب في المشروعات الخليجية المشتركة، مما يعني أن الشركات العالمية تفضل الدخول في مشروعات مشتركة مع طرف واحد، ربما لتفادي نزاعات الملكية المتعددة والمشاكل الإدارية ،إضافة إلى تعظيم الاستفادة من المزايا النسبية المتعلقة بموقع المشروع المشترك.
ونحن ندرك ان موضوع المشروعات الخليجية المشتركة قد طال الحديث عنه الا ان تواضع الانجازات المحققة على هذا الصعيد من جهة وتجدد الحديث عن أهمية تعميق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس، تجعل معاودة الكرة مرة بعد اخرى للحديث عنه أمرا لا مفر منه، نظرا لما يلعبه هذا النمط من التعاون من دور أساسي في تعميق التكامل الاقتصادي.
فالحديث عن تحرير التبادل التجاري بين اقطار مجلس التعاون الخليجي لا يمكن تجسيده حقيقة الا من خلال نمو وتطوير الطاقة الإنتاجية لهذه الأقطار، من خلال قيام المزيد من المشروعات المشتركة كما ونوعا، بحيث تصبح قادرة على تلبية المزيد من احتياجات السوق الواسعة وتوفير السلع التي تلائم اتجاهات الاستهلاك وانماطه المختلفة.
ومن هنا فإن المشروعات المشتركة تمثل صيغة تنسيقية في المجال الانتاجي لزيادة الاعتمادات المتبادلة بين اقتصادات دول مجلس التعاون مما يخلق حاجة موضوعية للتنسيق والتكامل فيما بينها. كما ان تلك الاعتمادات سوف تقلص من حجم انكشاف الاقتصادات الخليجية على العالم الخارجي وبالتالي تقليصا للآثار السلبية لهذه الظاهرة مثل تقلبات اسعار الواردات والصرف ومعدلات التضخم.
والاهم من ذلك ان صيغة المشروعات المشتركة سوف تمكن من اقامة وحدات انتاجية كبيرة والاستفادة من الموفورات الداخلية وخلق التشابك بين القطاعات الانتاجية على المستويين القطري والاقليمي، وهو الامر الذي سيمكن من زيادة القدرة الاستيعابية سواء فيما يخص الموارد المالية او البشرية او المادية الاخرى، واستثمارها بشكل أكفأ وأكثر فاعلية لتنفيذ برامج التنمية الطويلة الأمد.
كذلك عند الحديث عن المواطنة الاقتصادية وتحرير انتقال عناصر الانتاج والاستثمار بين اقطار مجلس التعاون الخليجي تبرز المشاريع المشتركة كصيغة فاعلة لتأخير واستيعاب تحركات عناصر الانتاج الخليجية من بلد الى آخر والاهم من ذلك اضفاء طابع «التخصيص الكفء» على تلك التحركات، بمعنى تحركها نحو الاستخدامات ذات الجدوى الأكبر من وجهة النظر الاقتصادية.
ان تحرير الانتقال المشترك لعناصر الانتاج يعتبر هدفا استراتيجيا لدول مجلس التعاون فيما اذا ارادت ان تخطو خطوات رئيسية نحو التكامل فيما بينها.
وعلاوة على ذلك فإن المشروعات المشتركة تعتبر الصيغة الاكثر عملية وقابلية للتطبيق للتنسيق الصناعي والانتاجي الخليجي.
فالتنسيق بوضع خطط تصنيعية خليجية مشتركة ، وإقامة أنماط صناعية خليجية متمامية هو أمر بالغ الفائدة، ولكن تكتنفه العديد من الصعوبات العملية خصوصا مع زيادة التوجه لتوسيع دور الرأسمال الخاص في اقامة المشروعات الصناعية وعدم تبلور او قيام مجالس وآليات عليا للتنسيق الصناعي الخليجي.
لذلك فإن صيغة المشروعات المشتركة تعد مدخلاً عملياً للسير في طريق التنسيق الصناعي بين دول المجلس.
يضاف الى ذلك ان المشروعات المشتركة هي اقل صيغ التنسيق اثارة للصعوبات والحساسيات الاقليمية وابعدها مساسا بالسيادة القطرية، وبالتالي فهي الاكثر قبولا لدى الحكومات والافراد.
ويمكننا ان نضيف الى قائمة هذه المزايا التقليدية العديدة للمشروعات المشتركة مزايا اخرى تبرز من خلال التطورات الاقتصادية المستجدة في دول مجلس التعاون.
ان صيغة المشروعات المشتركة تعتبر إطارا فاعلا لاستيعاب المشروعات التي تحول ملكيتها من القطاع العام الى القطاع الخاص.
إن برامج الخصخصة في دول المجلس ستجد نفسها وجها لوجه امام الحاجة لاشراك موطني دول المجلس في انجاحها.
كما ان بعضها قد يرى حاجة للمرور بفترة انتقالية حيث تكون الملكية مشاركة بين القطاعي العام والخاص، ولا شك ان تنفيذ ذلك من خلال تبني صيغة المشروعات المشتركة على المستوى الخليجي سوف يخلق تعاونا مثمرا بين الحكومات الخليجية ومواطنيها.
وميزة اخرى تبرزها التطورات الاقتصادية المستجدة لأهمية المشروعات المشتركة وهي اعتبار صيغة هذه المشروعات الاكثر ملائمة لقيام تعاون خليجي دولي في مجال اقامة العديد من الصناعات المتقدمة التي تبرز الحاجة لها في الوقت الحاضر.
إن قيام المزيد من المشروعات الخليجية المشتركة يساعد بشكل فعال على إيجاد مشاريع محلية تتكامل معها في مجال تبادل المنتجات الوسيطة،الأمر الذي يقوي من تشابك وترابط الحلقات والسلاسل الإنتاجية.
ويبقى الدور الآخر الذي يقوم به العمل المشترك من توثيق التعاون والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية،وخلق بيئة عمل تعبر عن الوحدة الخليجية والمصير المشترك بين أبناء دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
لقد شهدت الفترة الماضية عدة تطورات اقتصادية هامة ومنها الاتفاق على اتفاقية اقتصادية خليجية أكثر تطورا وكذلك الاتفاق على الجداول الزمنية للسوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي الموحد، وسيكون أثرها على الاستثمار المشترك إيجابيا، وهذا بدوره يدفع بالتعاون الاقتصادي بين دول المجلس إلى الأمام.
لقد بات من الضروري ان تتخذ دول المجلس وبصورة جماعية مزيدا من الإجراءات الهادفة إلى تعميق التكامل الاقتصادي فيما بينها وفقا لما قررته القمة الخليجية في دورتها الأخيرة، ومما لا شك فيه أن توسيع رقعة المشروعات المشتركة المقامة فيما بينها هو الشكل الأكثر تطورا لتحقيق هذا الهدف.
نقلا عن جريدة اليوم