ساقية جحا

03/02/2014 1
سعيد بن زقر

كلما ذكر جحا قفزت لدواخلنا ابتسامة عفوية لارتباط جحا بمفارقات محملة بالدلالات، ومنها قصة (ساقية جحا) التي تأخذ الماء من البحر وتعيده إليه والنتيجة كأنك يا أبوزيد ماغزيت.

(ساقيا) مختصر اسم الهيئة السعودية للاستثمار الأجنبي والتي أسست على نظام الشباك الواحد بهدف تقديم خدمة من كل الوزارات في مكان واحد إلغاءً للبيروقراطية المنفرة للاستثمار الأجنبي بالمملكة.

وفكرة الشباك الواحد تندرج في سياسة الباب المفتوح المعتمد كنهج من المقام السامي الكريم.

لكن لحكايات جحا ألوان في زماننا فقد حاولت شركة وطنية صناعية توفر خدمات لشركة أرامكو بالموانئ الجديدة حاولت فتح فرع بهذه الموانىء بدواعي توفير خدمات إضافية لعملاء الشركة بالساحل الغربي في منطقة واعدة وخصصت للاستثمار، تقدمت الشركة للهيئة الموقرة وفق مواعيد مسبقة بمدينة الرياض ولكن تمت إعادة الشركة لجدة ومن جانبها لم تتوانَ هيئة الاستثمار بجدة بإعادة (الكرة) للرياض وبعد جولات من الذهاب والإياب يبدو أن هيئة الاستثمار أدهشها الإصرار والاجتهاد فقررت رفض الطلب بحجة أن أرباح الشركة (متواضعة) مما لا يؤهلها للاستثمار وهو تبرير قد يكون مشروعاً نظاماً ولكن هل هو مقبول وواقعي من وجهة نظر اقتصادية ومن حيث المقاصد التي أسست على ضوئها(ساقيا)، فمن يحقق أرباحاً عالية لا يحتاج للتوسع أو مسابقة الزمن لإنفاق المزيد لتحقيق تلك الأرباح التي ترضي (ساقيا).

إن الرفض ومبرراته يجعل(وعد) ساقيا يتآكل ليطابق ممارسات ديوانية تنظر للطلبات بمفهوم (ما أدري) (وتعال بكرة)، هل أخذ الرفض أن المستثمر، يدرس سوقه ويقيم جدوى العائد على استثماراته قبل أن يقدم أي طلب؟

وهل وضع احتمال أن بعض الشركات لها أسلوب في الاستثمار لا يستعجل الأرباح إلا بعد ترسيخ علامتها التجارية؟ فلماذا إذن تمارس هيئة الاستثمار (وصاية) اقتصادية وتعطيه دروساً في الاقتصاد والاستثمار وتعلمه كيف يحقق أرباحاً (كبيرة) ؟ ،هذا الأسلوب يبدو كما لو أنه خارج الزمن ولكن خطر ممارساته تعود بسمعة سالبة على الاستثمار في المملكة ومهنية التعامل ،وكلما زاد النقص في الاحترافية تصبح أحكام الموظف على طلبات الاستثمار أقرب إلى المزاجية وقصص جحا منها إلى الوفاء(بوعد) هيئة الاستثمار الأجنبي التي من أهم مقاصدها النبيلة تذليل العقبات البيروقراطية أمام المستثمر.

لكن واقع هذه التجارب العملية مع (ساقيا) يقربها أكثر من لعب دور سلبي يحد من جذب الاستثمارات الأجنبية.

لن أقارنها بالخدمات التي تقدمها الهيئات المماثلة في دول أوربية أو في كندا حيث أن السجل التجاري يأتيك خلال أربع وعشرين ساعة وبالبريد ولكني أذكرها بأسلوب خدمات الاستثمار في دول مجاورة وأعيد تذكيرها بما يطمح فيه القطاع الخاص بالمملكة وبالتطلع الرسمي بأن تكون خدمات الهيئة في مستوى يزيل البيروقراطية وبروح تلبي دلالات معنى (جاذبية) الاستثمار في المملكة، ومن أسف أن هيئة الاستثمار الأجنبي لديها ثقافة مختلفة تناقض هذه التطلعات الاقتصادية والرسمية.

وبينما تحاول وزارة التجارة والصناعة بقيادة معالي وزيرها النموذج توفيق الربيعة، الاهتمام بالتجارة والصناعة وتنميتهما بما ينسجم واهتمام الدولة بتنويع الاقتصاد باعتباره أولوية فإن الهيئة تبدو كمن لم يدرك معنى ودلالات تولي خادم الحرمين الشريفين حفظه الله رئاسة المجلس الاقتصادي الأعلى.

هل تجد الهيئة فيما قلت نقداً؟ فماذا عن انخفاض معدل الاستثمارات الأجنبية بنسبة 58% بين عامي 2010-2012م وماذا عن تراجع مكانة المملكة في التنافسية من المرتبة 17 إلى المرتبة 20(الحياة28/1/2014) وماذا عن وصف مجلس الشورى للهيئة(بأنها تعمل بلا استراتيجية وباجتهادات فردية)؟.

إن نقدي خالص لوجه الله فليس ثمة مصلحة تدفع لتناول الهيئة بسلبية ولكني كما الآخرين أرى في ممارساتها ما يجب تلافيه قبل أن يتم الإجهاز كليا على صورة الاستثمار بالمملكة، فما أكتب ليس استنتاجات سماعية أو تأثراً بانتقادات أعضاء مجلس الشورى بل من واقع تجارب عملية مع هيئة الاستثمار الأجنبي ومع آليات تجاوزها الزمن ،فإن استمرت ستجعل الاستثمار في المملكة منفراً بدلاً من أن يكون جاذبًا.