أصبح الحديث عن ضرورة تنويع الاقتصاد المحلي مملاً، ولم يعد يشكل إضافة الى المتحدث أو كاتب المقالة، ناهيك عن صانع القرار.
فقد أصبح لكل وزير رؤية محددة عن دور وزارته، فوزارة التجارة تسعى بكل قوة الى تأسيس بنية تحتية صناعية قوية بتجهيزها المدن الصناعية وتشجيعها توطين صناعة السيارات والبدء في وضع البذرة الأولى لتجميع السيارات مثل ماحدث مع شركة ايسوزو، لتبدأ بعد ذلك سلسلة الصناعات المتعلقة بالسيارات مثل قطع الغيار والكفرات.
وينتظر المجتمع الاقتصادي والمهتمين صدور الخطة الخمسية القادمة والتي يسعى وزير التخطيط الى تحويل المملكة الى اقتصاد معرفي. فبدلا من استهلاك المعرفة، سيتجه الاقتصاد والمجتمع السعودي الى انتاج المعرفة.
بينما تسعى وزارة الزراعة الى تملك مزارع ضخمة خارج المملكة لتزويد السوق المحلية بمعظم منتجاتها الاستهلاكية مثل الأرز والحبوب.
وفي نفس الوقت تسعى هيئة السياحة الى جعل القطاع السياحي الرافد الثاني بعد النفط لدعم الاقتصاد.
وتسعى وزارة النقل الى تبني شبكة طرق حديدية لربط أطراف المملكة المترامية، وتبني نقل عام باستخدام القطارات في المدن الرئيسة.
في ظل هذه المساعي، يسعى المشرعون الى تحديث وسن انظمة جديدة في مجالات شتى بدءاً من القطاع العقاري والاسكان، ومرورا بالعدل والقضاء، وسوق العمل، وانتهاء بأنظمة تهم الاسرة والمجتمع مثل انظمة حماية الأسرة وغيرها من الأنظمة.
ورغم هذه الجهود المبذولة الا أن البعض مازال قلقا على مستقبلنا ومستقبل أجيالنا، وهذا القلق هو مصدر الالهام والتقدم، خصوصا وأن الكثير أبدى مخاوفه من تنامي انتاج النفط الأمريكي، وأن نجاح أمريكا في مجال النفط الصخري قد يشجع دولاً أخرى على استخدام نفس التقنية والتوجه، لذا يزداد القلق والدعوة الى التنويع وخفض الاستهلاك المحلي للنفط والطاقة.
بل إن هناك توجهاً قوياً لتنويع مصادر الطاقة الى طاقة بديلة نوووية وشمسية. الأمر الذي يعني أن هناك توجهاً واضحاً لتنويع مصادر الطاقة.
وأرى أن علينا العمل بجدية على تنويع استثماراتنا واستغلال الفوائض المالية الضخمة للنفط بإنشاء صندوق سيادي بمعزل عن مصروفات الدولة العامة أو السياسات النقدية ليكون لبنة مهمة لأجيال المستقبل وخطوة أخرى لتنويع مصادر الدخل.
إن التنويع يتبلور في صور عديدة متمثلا في تنويع مصادر النقل، ومصادر الصناعة، ومصادر الدخل بانضمام أنشطة أخرى مهمة مثل السياحة، وتحويل المجتمع الى انتاج المعرفة مع زيادة في نسب المتعلمين وتنوع تخصصاتهم.
ولكن هذا التنويع رغم أهميته ليس بالتنويع الاستراتيجي الذي تعلمه الناس بضرورة تعدد مصادر الدخل بحيث إن انخفاض مصدر واحد مثل النفط لايعني تراجعنا في تنويع أنشطتنا الاقتصادية المشار اليها هنا.
فالتنويع الحقيقي هو ان يكون لدينا مصادر أخرى يمكن الاعتماد عليها في حال تراجع أحد المصادر.
لذا ينتشر شعور لدى البعض بعدم التماسهم لهذا التنوع مما يعني أن علينا العمل بجدية أكبر وأسرع للوصول الى التنويع المنشود.
وفي اعتقادي أن هذا التنوع قد لا يكون ملموسا إلا في 2020، بعد أن نصل الى حقيقة قدرة الحكومة على تنويع مصادر الطاقة وتنفيذ المشاريع الضخمة في مجالات النقل والاسكان والصحة، والتحقق من قدرتنا على بناء قاعدة صناعية أخرى غير نفطية، ودخولنا نادي أكبر البلدان استقطابا للسياحة والاستثمار.
لذا علينا الانتظار حتى نرى مدى قدرتنا على تحقيق مانتحدث عنه اليوم ليصبح واقعا ملموسا.
وقبل أن أختم، وفي خضم انشغال كل وزير بأهداف وزارته، فإن من المهم التركيز على الميزة النسبية لكل اقليم وتنويع الاقتصاد من خلال التركيز على تنمية المناطق حسب ميزتها النسبية لتصبح قادرة على الاعتماد على مواردها الذاتيه.
فالتنويع الحقيقي يبدأ من الأطراف لتنجح الصورة الكلية كما كتبت عن ذلك في مقال سابق.
نقلا عن جريدة الرياض