في المقال الثالث عن ملامح الاقتصاد القطري لعام 2014، أعرض لموضوع التضخم في قطر، حيث يقيس المعدل ما يطرأ على أسعار المستهلك من تغيرات في فترات منتظمة مقارنة بما كانت عليه في نفس الفترة من العام السابق. وقد تناولت هذا الموضوع في العام الماضي في عدة مقالات توقعت في أولها أن يظل المعدل دون مستوى 3% في العام 2013.
وقد صدقت تلك التوقعات جزئياً حيث تراوح المعدل ما بين 2.8-2.7% في الفترة ما بين أغسطس إلى ديسمبر، رغم ارتفاعه في النصف الأول من العام إلى 3.6% في شهري مارس إبريل.
واشرت في مقالات العام الماضي إلى أن بقاء المعدل دون 3% يُصنَف باعتباره معدلا منخفضا إذا ما قيس بالمعدلات السائدة في العالم، ويعكس استقراراً في مستويات الأسعار بوجه وإن كان هذا الاستقرار يختلف في درجته من مجموعة إلى أخرى بين مجموعات السلع والخدمات المكونة لسلة قياس المعدل. ووفقاً لبيانات آخر العام في ديسمبر نجد أنه بينما سجلت مؤشرات المجموعات الفرعية "للإيجار"، "والتسلية والترفيه والثقافة"، "والأثاث والمنسوجات"، ارتفاعات تصل نسبتها إلى 4% أو اكثر مقارنة بديسمبر 2012، فإن مؤشر مجموعة "السلع والخدمات المتفرقة" قد انخفض بنسبة 5.4%، وكانت الزيادات في مؤشرات "النقل والاتصالات"، و"العناية الطبية، محدودة، بينما كانت الزيادة في مؤشر ا"لغذاء والمشروبات" متوسطة بنسبة 3.1%. وأشرت في مقال سابق أيضاً إلى أن معدل التضخم في قطر يقيس التغير في الأسعار ما بين سنة وأخرى، لكنه لا يعبر عن مستويات التكلفة الفعلية للمعيشة في قطر التي باتت مرتفعة بالنسبة لشريحة واسعة من السكان.
وإذا كان معدل التضخم قد ظل منخفضا دون مستوى 3% في عام 2013، فإن لذلك أسباباً منها:
1- تباطؤ معدل النمو الاقتصادي في نفس العام مقارنة بمستويات النمو المرتفعة التي عرفها الاقتصاد القطري في العام 2012، وعام 2011. فقد أسهم انخفاض معدل النمو الاقتصادي في القطاعات غير النفطيه إلى ما دون العشرة بالمائة، في استقرار معدل التضخم على النحو المشار إليه.
2- وساهمت إجراءات السياسة النقدية لمصرف قطر المركزي المتمثلة في امتصاص فائض السيولة من الجهاز المصرفي في ضبط معدل التضخم، حيث قام المصرف على مدى شهور العام وبشكل منتظم بإصدار أذونات خزينه بقيمة شهرية تصل إلى أربعة مليار ريال. كما عدل المصرف في وقت سابق من أسعار فائدة ايداع البنوك لديه للحيلولة، دون تدفق الأموال الساخنة على قطر من الخارج للاستفادة من هامش الفائدة المرتفع على الريال.
3-وساعد ثبات سعر صرف الريال أما الدولار، مع استقراره نسبياً أمام اليورو، وارتفاعه أمام الين، في انخفاض معدل التضخم في قطر على النحو المشار إليه. وترافق هذا أيضاً مع انخفاض تأثير التضخم المستورد باعتبار أن معدلات التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وكثير من دول العالم كانت منخفضة.
4- وإذا كان معدل التضخم قد مال إلى التراجع في عام 2013 بعد شهر إبريل، فإن ذلك قد واكبه تراجع في مؤشر العقارات... فوفقاً للبيانات التي يصدرها مصرف قطر المركزي بالتعاون مع وزارة العدل، فإن مؤشر العقارات قد وصل ذروته في مايو 2013 عندما وصل إلى مستوى 190.4 نقطة، ثم هبط فجأة في شهر يونيو ووصل إلى 174.2 نقطة في يوليو، قبل أن يعود إلى الارتفاع تدريجياً ويصل إلى 189.8 نقطة في ديسمبر. أي أنه كان في ديسمبر لا يزال دون مستواه المرتفع في مايو.
وإذا نظرنا إلى عام 2014، فإننا سنجد أن المعدل العام للتضخم مرشح لأن يظل مستقراً حول 3% أي أنه قد يتراوح ما بين 2.6% كحد أدنى و 3.4% كحد أقصى، وذلك لنفس الاعتبارات التي أشرت إليها أعلاه، وأقصد بذلك تباطؤ النمو الاقتصادي المحلي، واستقرار سعر صرف الريال وانخفاض التضخم المستورد، واستمرار السياسة النقدية للمصرف المركزي الهادفة إلى امتصاص فائض السيولة. كما سيكون لاستقرار أسعار العقارات بعد أن وصلت ذروتها في عام 2013 تأثير مهم في إبقاء معدل التضخم ضمن الهامش المشار.
وأود في سياق الحديث عن معدل التضخم في قطر أن أختم بملاحظة سبق أن أشرت إليها في مقالات سابقة وهي ما درج عليه جهاز الإحصاء من استبعاد مجموعة الإيجار والوقود من الرقم القياسي للأسعار –رغم أهميتها النسبية المرتفعة في إنفاق المستهلك والتي تصل إلى 32.5%- وذلك لحساب معدلٍ للتضخم لا تظهر فيه آثار التغيرات الاستثنائية في بند الإيجار. ولقد كان لهذا الاستبعاد مايبرره في السابق عندما كانت تلك التغيرات كبيرة ومؤثرة كما حدث في فترة الطفرة حتى منتصف عام 2008، أما وقد تقلصت تلك التغيرات إلى حد كبير فإن عملية الاستبعاد تصبح بدون معنى حيث أن معدل التضخم بعد الاستبعاد ينخفض كثيراً ويصل إلى 1.9% فقط كما في ديسمبر.