المعلومات اليقينية والمتواترة عاما بعد عام، تشير بشكل مؤكد، لا لبس فيه، إلى اعتماد اقتصاد المملكة العربية السعودية شبه الكلي على إيراداتها من إنتاج النفط وبيعه، وبالتالي أسعاره، حيث تشكل الإيرادات النفطية أكثر من 90% من مجمل إيرادات المملكة.
وتأسيساً على ذلك، فإن أسعار النفط العالمية وكذلك معدلات إنتاج المملكة النفطي لهما تأثير مباشر على مداخيل المملكة؛ كونها تعتمد اعتماداً شبه كلي على النفط كمصدر أساسي للاقتصاد السعودي، وسنلقي الضوء على هذين العاملين: أي أسعار النفط وآليتها، وفي المقال المقبل على السياسة الإنتاجية للمملكة، والتي تخضع لثلاثة محاور: عضوية المملكة في منظمة أوبك والتي تقيد أعضاؤها بالحصص الإنتاجية المتفق عليها لكل عضو في منظمة الأوبك، والمجلِس الأعلى لشؤون البترول والمعادن المختص بالبت في كافة شؤون البترول والغاز والمواد الهيدروكربونية السعودي، وكذلك الجهة المسئولة عن الإنتاج وتكاليفه أي شركة أرامكو السعودية.
آلية أسعار النفط وتقديراتها
منذ أن تبوأ النفط جزءا مهما من الإستراتيجية الجيوسياسية العالمية، بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت أسعاره وامداداته من القضايا ذات الأسبقية التي توليها جميع دول العالم جل اهتماماتها، ومتعلقة بأمنها الاقتصادي والصناعي والاجتماعي والسياسي والعسكري، مما ميز سلعة كالنفط وأسعاره صعوداً أوهبوطاً، بحساسيتها المفرطة؛ نظرا للتقلبات في العرض والطلب في الأسواق البترولية العالمية.
والنفط يمثل المحرك الرئيس للاقتصاد العالمي، والعصب الصناعي لدول العالم قاطبة، فهو من أهم المعايير الرئيسة التي لها تأثير عالمي سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية، بل هو بحق أهم الدعامات التي ترتكز عليها الحضارة الإنسانية، ومن بين جميع مصادر الطاقة الأخرى يعد النفط في الوقت الحاضر من أكثر السلع الاستراتيجية تداولاً في العالم، وبالتالي فإن النمو الاقتصادي العالمي المرتقب في عام 2014م، مرتبط ارتباطاً ملازماً بنمو الطلب عليه، وبالتالي أسعاره التي تعد من جل اهتمامات المملكة، التي كما أشرنا أنها تعتمد بشكل مباشر على الإيرادات النفطية من كمية الإنتاج، التي تعتمد بدورها على عوامل محورية تحدد أسعار النفط، وهي: الطلب العالمي على النفط، وحالة الاقتصاد الدولي، وحجم الإنتاج، والحصص التقديرية لمنظمة أوبك، ولقد نتج عن التراجع في الطلب على النفط في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، تدن في أسعار النفط إلى مستويات قد لا تساعد على تطوير صناعة النفط، في ظل أوضاع الأزمة المالية، وصعوبة إجراءات التمويل، واحتمال تعطيل الإقراض للشركات النفطية؛ نتيجة ضعف السيولة لدى بعض البنوك العالمية، بسبب الأزمة العالمية التي اجتاحت العالم منذ عام 2008م، وبالتالي عدم قدرة المنتجين لزيادة انتاجهم في المستقبل؛ لسد الطلب في حالة تعافي الاقتصاد، نظراً لعدم توجيه استثمارهم في القطاع النفطي.
وبالرغم من أن أسعار النفط تتحرك صعوداً أو هبوطاً وفق القاعدة الأزلية (العرض والطلب)، إلا أن سلعة كالنفط تجعل من مكونات الطلب عليه وعرضه، تختلف عن باقي مكونات العرض والطلب للسلع الأخرى، نظراً لأهمية النفط واعتماد الصناعات العالمية، وبالتالي الاقتصاد العالمي عليه، وكونها جزءا مهما من الإستراتيجية الجيوسياسية العالمية، وتعتبر اسعاره وامداداته من القضايا ذات الأسبقية التي توليها جميع دول العالم جل اهتماماتها، ومتعلقة بأمنها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والعسكري، مما ميز سلعة كالنفط بحساسيتها المفرطة، وجعلها تخضع لعوامل كثيرة وقوية تضغط على مكونات العرض والطلب، وباتجاه منحى العرض والطلب.
فأسعار النفط تخضع لعوامل متشابكة، وهي في تغير وتطور مستمر، منها ما هو متوقع ومنها ما هو غير ذلك، فالعلاقة بين سعر النفط والطلب معقدة جداً وتتفاعل مع عناصر بعضها يستحيل التنبؤ بحدوثه، فالعوامل الأساسية المؤثرة في تقديرات الطلب المستقبلي كثيرة ومتشابكة وبالتالي في أسعار النفط.
ولتوضيح ذلك، فإن جميع الدراسات التي أجريت خلال العقد الماضي (2000م-2010م) من قِبل شركات النفط والبنوك ودور الاستشارات والخبراء لم تضع أي تصور أو سيناريوهات لوصول الأسعار إلى مستوياتها في منتصف عام 2008، أي 148 دولاراً للبرميل.
وحتى بعد أن وصلت لتلك المستويات غير المسبوقة، كانت التقديرات السائدة آنذاك تؤكد أن مستويات الطلب سوف تستمر في التصاعد لتضغط على الأسعار لمستويات 200 دولار بنهاية 2008، ولكن بعكس تلك التوقعات انهارت الأسعار عن تلك المستويات لتصل إلى مستويات 33 دولاراً للبرميل عام 2009م.
ولعلنا نعتبر من ذلك، ونأخذ الحيطة في هذا الشأن وهو أن الجميع كان مخطئا بشأن انتكاسة الأسعار، وإمكانية وصولها إلى مستويات 30 دولارا؛ بسبب الأزمة المالية العالمية المفاجئة، وما ارتبط بها من هبوط حاد في الطلب على النفط.
هذا بالإضافة إلى أن بعض العوامل الأخرى يستحيل التنبؤ بحدوثها مثل اندلاع الحروب والقلاقل السياسية الداخلية والنزاعات حول منابع النفط، بالإضافة إلى الأحوال المناخية والكوارث الطبيعية والأعاصير التي تحدث على وجه الخصوص في مناطق إنتاج وتكرير النفط.
وبالرغم من الصعوبة في تحديد الأسعار، إلا أنه في العام الجاري تبدو الصورة واضحة وهي تصاعدية، بسبب المشاكل المتعلقة بالتصدير في ليبيا وعدد من البلدان، وسنتناول في المقال المقبل أهم العوامل المتعلقة والمؤثرات على العرض والطلب، وبالتالي على اتجاهات الأسعار والمستويات المتوقعة لها مستقبلا.
نقلا عن جريدة اليوم