تطور لدي تصور أن البعض (وقد أكون مخطأ) من المهتمين في الشأن الإقتصادي يعتقد أن شراكة القطاعات الحكومية مع القطاع الخاص هو إيحاء بأن تلك الأجهزة الحكومية "لديها مشكلة مالية" ولإنها لا تعاني من مشاكل مالية فيتوجب عليها أن تقوم بعمل التنظيم والتصميم والتخطيط والبناء والتشغيل والتطوير بنفسها (أي الوزارت وغيرها) معتمدة على قدراتها البشرية والمالية والفنية والخ ... ظناً أن الموضوع يتعلق بالتوفير المالي البحت وهو ما قد يكون العكس تماما.
تبين أن القيام بذلك (مع الأخذ بعين الإعتبار سرعة تنامي الطلب على تلك الخدمات والشح في توفيرها) سيواجه صعوبات كثيرة منها مشاكل تنظيمية هيكلية ونقص الكوادر أو العجز في الحفاظ عليها لذا تجد أن الكثير من الأجهزة الحكومية إدراكاً لذلك قامت بإنشاء شركات مستقلة ماليا وإداريا لدفع عجلة تنفيذ مشاريع البنى التحتية وتفادي تعثرها وتأخيرها وبالتالي تتقلص "الفجوة" بين العرض والطلب.
وحتى مع إعادة الهيكلة الإدارية، لا تزال سرعة توفير الخدمات بطيئة إذا ما قارنها بالنمو السكاني المرتفع وضخامة نطاق العمل فتقول وزارة الصحة تماشيا مع استراتيجيتها في المشروع الوطني للرعاية الصحية المتكاملة والشاملة أنها دشنت خلال الخمس السنوات الفائتة أكثر من ٨٢٢ مركز ليصبح إجمالي المراكز العاملة حاليا ١٦٧١ مركز يخدم أكثر من ٥٥ مليون زيارة مرضية سنويا، وتقول أيضا أنه تم تشغيل أكثر من ٧٩ مستشفى أيضا خلال الخمس سنوات السابقة لتضيف ١٢١٦٣ سرير للخدمة!
المثير للتساؤل هو ... هل ستكون الوزارة من خلال مواردها المالية وكوادرها البشرية قادرة على تنفيذ وتشغيل وصيانة تلك المرافق حسب الخطة؟ وهل ستكون قادرة تشغيل تلك المرافق بكفاءة ونوعية بعيدة عن التكدس في ظل الفجوة الحالية؟ وهل ستستطيع الوزاة تحمل التكاليف التشغيلية المتنامية في ظل هذا التطور؟
كثير من الدول الصناعية وغيرها منها اليابان ، روسيا ، الهند ، البرازيل تشارك وتستثمر مع القطاع الخاص في تطوير بناها التحتية بشكل متفاوت وعلى مستويات مختلفة ، وكما هو معمول بالوزارة أيضا ولكن على مستوى منخفض غير استثماري ارتفع بشكل بسيط مؤخراً حيث قامت الوزارة بإسناد بعض من تلك المهام الإدارية والهندسية للقطاع الخاص ولكن لا زالت تتحمل المخاطر بشكل أكبر.
مشاركة القطاع الخاص تأتي بأشكال متعددة إما بإدارة عقود ، أو أنظمة عقود التشغيل ، أو مستوى أكبر بإنشاء شراكة مناصفة بينها والقطاع الخاص ، أو طرح المشروع كامل كعقود بناء وتشغيل وتسليم لمدة طويلة مما يضمن استمرارية التطوير والمشاركة تعود بالفائدة على الجميع.
الشراكة مع القطاع الخاص ليست بالجديدة فهنالك عقود طرحت بمجالات الطاقة والمياة والمطارات تنفذ بشكل فعال لتمكن تلك القطاعات من التركيز على الجانب التنظيمي أكثر من التنفيذي التشغيلي، فهل حان الوقت للقطاع الصحي الحكومي لتطوير بنيته التنظيمية كاملة وعدم الإنغماس في العملية التشغيلية الروتينية لترفع مستوى المشاركة القطاع الخاص لدعمها في ايصال خدماته بمرونة وجودة نوعية، ومخاطر أكثر انخفاض، وكفاءة إنفاق مالي، وتوفير وظائف أكثر جاذبية؟
أخيراً وليس أخر، فقد قرأت مقابلة منشورة بالأمس القريب للمدير التنفيذي "لجلف ون للأستثمار" الدكتورة ناهد شطح تتحدث بشكل مفصل عن هذا النوع من التوجه ، مقابلة جديرة بالقراءة والإستزادة.