ثقافة الملخصات هدر اقتصادي

12/01/2014 1
محمد العنقري

ينفق سنويا مليارات الريالات على طباعة الكتب المدرسية وتنتهي في اغلب المدارس بملخصات لا يتجاوز حجمها عشرة بالمئة من الكتاب الأساسي المقرر كمنهح وإذا لم يقم المدرس بوضع ملخص للمادة فسيجدها الطلاب بالمكتبات فماهي الفائدة التي سيتحصل عليها الطالب بخلاف تحقيق درجات النجاح وكم هي الخسارة المادية التي تتحقق من طباعة كتب لن تقرأ ؟! التعليم في جوهره يحمل مضامين كبيرة ليست محصورة بالنجاح والانتقال من مرحلة لاعلى منها بل بتعزيز مدارك الطلبة العلمية والثقافية والتي تفتح لهم افاق واسعة بالحياة، وقيل انه في زمن العباسيين طلب من معلم ان يختزل ماقرره لطلابه من مناهج كما نسميه اليوم وبعد مفاوضات وتوصيات خفض المناهج مما مجموعه عشرة آلاف صفحة الى ثمانية آلاف، ونسب إليه مقولة شهيرة ( لقد فسد العلم).

فماذا سيقول مثل هذا المعلم عن ملخصات اليوم؟ لقد أصبحت ظاهرة الملخصات ومنذ وقت ليس بالقصير تجارة حولت معها التعليم لمجرد استهلاك فاصبح المفهوم السائد هو النجاح فقط، وليس العلم فالمناهج حولت لبضاعة تستهلك بيسر وسهولة من خلال بضع ورقات تختزل مئات الصفحات بالكتاب المطبوع والطالب لا يبحث الا عن النجاح، وقد يقول قائل ما الجديد فهو الامر الطبيعي لأي طالب لكن تتضح المشكلة فيما بعد لديه بانه لم يدرس الكثير من العلوم التي يجب ان يتثقف بها ويلم بمعارفها لكي يعرف كيف يبني مستقبله ويفهم العالم من حوله.

إن جل ما يهم الطالب هو سرعة الوصول للاجابة عن السؤال الذي يختبر فيه لكن كيف سيجدها وهل استوعب المقررات فلا يوجد تقدير حقيقي لهذه الاسس التي تعد ركيزة في التعليم مما يعني هدر مالي واستنزاف اقتصادي غير ملموس بحجمه وتقديراته لكنه واضح في مستوى ثقافة الطلاب والتي اظهرتها اختبارات القياس والقدرات من حيث النتائج والتي ايضا حولت هذا النظام الذي يقيس مستوى الطلبة لتجارة إذ تنتشر المعاهد التي تعلن عن دورات لتعليم الطلبة على اختباراته، وكذلك تنتشر الكتب التعليمية المتخصصة باختباراته لتعويض الفاقد التعليمي والثقافي لدى الطلاب والذي كشفه هذا النظام الالزامي لفحص مستوى العلم والثقافة الطلابية لدينا.

بل ان ثقافة الملخصات انتقلت الى الجامعات من خلال المكاتب التي تقدم الخدمات لهم بحكم ان الطلاب اعتادوا عليها بالتعليم الاساسي واصبحت ملازمة لهم بكل مراحلهم التعليمية مما يعني ان اختزال العلوم والمعارف اصبح اساسا وليس استثناء مما يشكل خطرا كبيرا على المجتمع من حيث التنافس مع العالم بحجم العلوم والمعارف التي يدركها افراد المجتمع وهو ما يفسر نسبة القراءة المنخفضة بالمجتمع بحسب احصاءات عالمية تضع العرب عموما بمستوى متأخر ونحن من بينهم.

ولابد من ذكر ان وزارة التربية والتعليم ترفض الملخصات وتحارب انتشارها لكن دون تطبيق فعلي لعقوبات صارمة ضد من يقوم بعملها وايضا لم تتطور البديل والمتمثل بالوسائل التعليمية واساليب التعليم التي تؤدي الى تفاعل من الطلبة ينتهي بفهم للمقررات وعدم وضع التعليم في خانة النجاح فقط بل تحقيق الهدف الثقافي والمعرفي من التعليم واذا كان شعار علمني كيف اتعلم يختزل في معناه كل المطلوب لتهيئة الطلاب لرفع مداركهم العلمية والثقافية والمعرفية الا ان تنفيذه يتطلب توجيه الانفاق بالتعليم الاساسي نحو تطبيق عملي لهذا الشعار وتغيير مفهوم النجاح والتفوق ليكون نتيجة لمدى تحقيق الهدف الاساسي من التعليم والذي سيحول طاقات شباب المجتمع وعماده بالمستقبل الى استثمار ناجح ومثمر يعزز من دورهم بالمجتمع بكافة المناحي ويعينهم على اختيار تخصصاتهم الجامعية والمهنية.

ان تطوير التعليم ينطلق من عدة مفاهيم: من أهمها وقف الهدر الاقتصادي المتأتي منه وتحويله الى قيمة مضافة كبيرة الاثر من خلال تغيير معايير ومفاهيم التعليم، فهل يعقل ان يختزل كتاب الفيزياء بالمرحلة الثانوية بعدد 22 صفحة فقط، فماذا عن اكثر من مائتي صفحة يحتويها منهج مهم كالفيزياء فماذا عن بقية المناهج خصوصا العلمية، وكيف نستطيع ان ننافس عالميا ونحن نختزل العلوم التي انفق العالم ترليونات الدولارات للوصول لنتائجها التي تدرس في كل العالم وكيف يمكن للبحث العلمي ان يتطور لدينا اذا لم يتأسس الطالب عليه منذ المراحل الدراسية الاولى وقد لاتقف عملية تطوير التعليم عند هذه الظواهر السلبية التي يجب القضاء عليها لكن سد هذه الثغرة يعد اساسا في التطوير.

الانفاق على التعليم بالمملكة يعد من الاعلى عالميا ويتجاوز متوسط النسب التي تضعها جهات دولية عديدة كقياس يستند عليه بالتنمية البشرية فنحن ننفق سنويا 25 بالمئة من الميزانية على التعليم بينما المتوسط العالمي المقبول لا يتعدى 15 بالمئة ونصف ميزانية التعليم تذهب للتعليم ما قبل الجامعي مما يعني ضرورة تقييم الناتج الاقتصادي من هذا الانفاق ومعرفة اوجه الهدر فيه واقفال ابوابها سواء المباشرة او غير المباشرة كظاهرة الملخصات والدورات الاضافية للطلبة والدروس الخصوصية والتي كلها تعبر عن ضعف بالاساليب التعليمية وتركيز الهدف من التعليم بالنجاح والدرجات عن الاهداف الاخرى التي تعد اكثر اهمية في بناء العقول وتنويرها بمختلف العلوم والمعارف.

نقلا عن جريدة الجزيرة