دول «الربيع العربي» كيف تعوض خسائرها؟

06/01/2014 0
عدنان أحمد يوسف

أفاد تقرير اقتصادي لبنك «إتش إس بي سي» بأن الانتفاضات في دول «الربيع العربي»، وبعضها لا يزال مستمراً، ستفقد هذه الدول أكثر من 800 بليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية 2014، مشيراً إلى صعوبة عودة استقرار غالبية دول «الربيع العربي» إلى معدلات النمو الطبيعي في المدى المنظور، ما يساهم في تكبد خسائر كبيرة لاقتصادات هذه الدول.

وأوضح التقرير ان بحلول نهاية 2014 سيكون الناتج المحلي الإجمالي للدول السبع الأكثر تأثراً، خصوصاً مصر وتونس وليبيا وسورية والأردن، أقل بنسبة 35 في المئة مما كان سيسجله لو لم تحدث تلك الانتفاضات في 2011، وذلك بسبب التدهور الشديد في الموازنات العامة وتراجع فاعلية الحكومة والأمن وسيادة القانون ما ولد ضغوطاً شديدة على جهود صانعي السياسات حتى في ما يتعلق بإعادة التوظيف إلى مستويات ما قبل الانتفاضات.

وتوقع التقرير ان يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تباطأ إلى 4 في المئة عام 2013، ليرتفع قليلاً إلى 4.2 في المئة هذا العام مقارنة بـ 4.5 في المئة في 2012 و4.9 في المئة في 2011.

وتزامن نشر هذا التقرير مع تصريحات نائب رئيس صندوق النقد الدولي مين زو أكد فيها خطورة الوضع المالي في دول «الربيع العربي»، وحاجته ليس فقط إلى إسعافات أولية، وإنما أيضاً إلى إصلاحات كاملة من بينها إعادة الهيكلة اللازمة لاستيعاب المستجدات والمتغيرات الداخلية والخارجية، التي ينتج منها توفير وظائف كثيرة وتنشيط سوق العمل وترقية النمو فيه وفي القطاعات العامة والخاصة.

ولا بد هنا من تجديد التأكيد على ضرورة تكاتف جهود حكومات دول «الربيع العربي» مع القطاع الخاص والمصارف في بلدانها لبناء استراتيجيات فاعلة تنطوي على حلول عاجلة وأخرى متوسطة وطويلة الأجل تهدف إلى استعادة الثقة في ما تملكه هذه الاقتصادات من إمكانات وموارد كبيرة تؤهلها للعودة إلى الاستقرار والنمو، فثمة إيجابيات كثيرة تنطوي عليها تلك التحولات، خصوصاً على صعيد تحسين وتقوية دعائم الاقتصادات الوطنية وإعادة التوازن وتوزيع الدخل في صورة اكثر عدالة مع السعي إلى القضاء على الاختلالات والأمراض التي تعانيها تلك الاقتصادات.

وتعويض دول «الربيع العربي» ما فقدته خلال التحولات السياسية وتحقيق معدلات نمو اقتصادي أعلى وأفضل من السابق أمر ممكن لكنه ليس سهلاً وينطوي على كثير من التحديات.

والتداعيات الاقتصادية للتحولات السياسية العربية سواءً تعلق الأمر بتونس أو مصر أو ليبيا أو اليمن أو سورية، انعكست سلباً على شعوب تلك الدول، فتوقف كثير من النشاطات الاقتصادية وفُقدت إيرادات مهمة على ضوء انحسار نشاط قطاع السياحة وتراجع الاستثمارات الأجنبية.

هذه التغيرات أفقدت كثيرين من المواطنين مصادر رزقهم وفاقمت معدلات البطالة المرتفعة أصلاً ما اضطر حكومات هذه الدول إلى التوسع في شبكات الحماية الاجتماعية وزيادة بنود الإعانات، ما أدى في الجانب الآخر الى تفاقم الاختلالات المالية ورفع عجز الموازنات.

فبحلول نهاية النصف الأول من 2013 ارتفعت معدلات البطالة في مصر إلى نحو 13.2 في المئة، وتونس إلى 16.5 في المئة، وليبيا 15 في المئة، فيما سجلت البطالة في اليمن نحو 40 في المئة.

ولا بد من التنويه هنا بأهمية التحركات الملموسة التي قامت بها بعض الدول الخليجية والعربية لمساعدة شقيقاتها التي عانت أوضاعاً سياسية سلبية من خلال صرف دفعات عاجلة وتمويل مشاريع ذات أولوية ملحة، فحصلت مصر وحدها منذ حزيران (يونيو) الماضي على مساعدات مالية تصل إلى 15.9 بليون دولار من السعودية والإمارات والكويت.

وأدت المصارف والمؤسسات المالية العربية الخاصة والعامة دوراً محورياً وفاعلاً في مساعدة بعض دول «الربيع العربي» المرهقة مالياً، وحرصت المصارف العربية على ديمومة نشاطها التمويلي والاستثماري، مشجعة بذلك الاستثمارات العربية والأجنبية الخاصة على العودة التدريجية لهذه البلدان، فبلغ حجم التمويل المصرفي العربي للنشاطات الاقتصادية نحو 1.5 تريليون دولار، ما يشكل 60 في المئة من حجم الناتج المحلي العربي.

ان الصعوبات المالية والاقتصادية الكبيرة التي تواجهها دول «الربيع العربي» تجعل الحاجة ماسة إلى التعجيل بحسم الترتيبات السياسية الجديدة التي تفتح الباب أمام العودة التدريجية للاستقرار الاقتصادي، وتمهد في الوقت ذاته الطريق للمباشرة في تنفيذ خطط الإصلاح الاقتصادي وبرامجه وضخ الاستثمارات لمختلف النشاطات الاقتصادية مع التركيز في صورة خاصة على خلق الوظائف وتعزيز الضمانات الاجتماعية، خصوصاً ان هذه الدول تملك موارد وإمكانات اقتصادية هائلة، وهي في حاجة لحسن وفاعلية ونزاهة وسلامة في إدارة اقتصادية تقوم وسط بيئة سياسية مستقرة.

نقلا عن جريدة الحياة