بهذا العنوان عبرت كبرى الصحف الفرنسية (اللوموند) عن زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند للرياض وذكرت بأن التبادل التجاري السعودي الفرنسي تضاعف خلال الخمس سنوات الأخيرة إلى أن وصل 8.7 مليارات يورو وبذلك تكون السعودية ثاني أكبر شريك تجاري لفرنسا في الشرق الأوسط بعد تركيا، وأضافت بأن فرنسا تود المشاركة مع السعودية بالإضافة لصنع السلام في المنطقة وأيضا في مشاريع البنية التحتية في السعودية وخصوصا ما يمس مشاريع الطاقة وتقنية المواصلات والصناعة الزراعية، بحكم أن السعودية دولة نامية وتبحث عن شريك يمتلك مواصفات التقدم التقني والتنظيم الإداري ويعد من نادي الدول المتقدمة فسؤال ما هو توزان علاقة السعودية على هذا الشريك وما طبيعة وضعه الاقتصادي؟
بالنسبة للعلاقات السعودية الفرنسية فمن غير الموضوعية حصرها على رئيس فرنسي محدد منذ بداية الجمهورية الخامسة وتعديل ديجول علاقات فرنسا مع العرب ولكن أول من اقترب من السعودية كان الرئيس الفرنسي الأسبق (جسكار دستان) والذي كان يشغل وزير مالية لديجول وزار السعودية، وتبعه بقية الرؤساء باختلاف تياراتهم السياسية (مثل ميتران ومن الحزب الاشتراكي) وقد زار السعودية عدة مرات ومن بعده الرئيس (شيراك وهو من الحزب الديجولي) وقد ربطته علاقات شخصية طيبة مع بعض الحكام العرب وعلى رأسهم خادم الحرمين حفظه الله ومن بعده الرئيس (ساركوزي وهو ديجولي أيضا) وقد بدأ بزيارة الدول العربية مبتدئا بدول المغرب العربي بعد أسابيع من انتخابه ثم زار السعودية والإمارات بعد ذلك بأشهر معدودة وأظهرته صحيفة (الليموند) وهو يحاول القيام (بالعرضة النجدية) مع سمو الأمير سلمان حفظه الله وأتذكر بأن تلك الصورة كان لها أصداء جميلة في فرنسا وأخيرا الرئيس الحالي (هولاند) وهو من الحزب الاشتراكي وكانت أول زيارة له في المنطقة إلى السعودية بعد أن توقف لساعات في مطار بيروت خلال زيارته السابقة.
ولكن ماذا عن فرنسا في داخلها وصعوبتها الاقتصادية خصوصاً وهي ثاني أكبر اقتصاد أوروبي بعد ألمانيا (الاقتصاد الفرنسي أكبر من البريطاني) و لا يزال يعيش هذا الاقتصاد حالة السكون بلا نمو وأحياناً انكماشا والأسوأ رأي وكالة الائتمان S&P والتي خفضت مستوى التصنيف الائتماني لفرنسا بسبب التحفظ ضد سياسة الدولة في الإنفاق وأسلوب صرف الرعاية الاجتماعية والذي يرفع العجز في الموازنة في الوقت الذي يخشى السياسيون الفرنسيون المساس بهذه المخصصات الرعوية بدليل محاولة رئيس الحكومة الأسبق (ألن جوبيه) في عهد (شيراك) تقليص هذه المخصصات ونتج منها اضطرابات واحتجاجات مريعة عام 1995 ميلادية، نتج كحل لمواجهة العجز رفع نسبة الضرائب على من يزيد دخلهم عن مليون إلى 75% وكانت نتيجة ذلك محاولات هجرة للكثير من المبدعين وعلق أحد الاقتصاديين هناك.....لن يظهر (إسيف جوبز) في فرنسا لأنه سوف يهاجر وهذا ما يحدث الآن، مع الضغط على رواتب بالضرائب مع العلم أن فرنسا تعد من أشرس الدول ضرائبيا حيث تصل الضرائب إلى 46% من مجموع الناتج المحلي الفرنسي ومن أعلى الدول لتكاليف المدخلات صناعيا حيث يعد أجر ساعة عمل في فرنسا الأعلى أوروبيا بعد ألمانيا بشيء بسيط فمثلا متوسط أجرة العامل في ألمانيا 36.8 يورو وفرنسا 36.3 يورو أما بريطانيا 22.5 يورو هي وإسبانيا وإيطاليا ودول أوربا الشرقية أقل من 10 يوروات، كانت نتيجة ارتفاع المدخلات محاولات تسريح للموظفين عديدة مثل ماترون في كبرى الشركات مثل شركت الطيران الفرنسية و (ميتال) وهي شركة صلب وحديد وغيره.
استطاعت ألمانيا منذ بداية الأزمة المالية تقليص حجم العاطلين إلى 5 % بسبب غلاء دخولاتها الصناعية أما فرنسا فلا تزال عالقة عند 10% كنسبة للعاطلين يقدر تعدادهم بحوالي 3.3 ملايين فرنسي والأسباب كثيرة كما ذكرنا نظام الضرائب الشرس والتدخل في سياسة التوظيف للشركات وإعادة الهيكلة لها وقوة النقابات والرعاية الاجتماعية المكلفة وإن كانت هذه العناصر ليست سلبية في أي اقتصاد ولكن آثارها الحالية سلبية من حيث تقليل التحفيز للفرد المنتج للإبداع والابتكار.
ليس المهم الأسباب ولكن المهم ماذا تغيره هذه الأسباب في شكل الاقتصاد الفرنسي حيث أتوقع استمرار فرنسا دولة سياحية ذات بيئة مثالية وتقدم صناعاتها الغذائية وتطور التقنية الطبية وكل ذلك بسبب دعم الدولة ومن جهة ثانية أتوقع تقلص مستوى التقنية الصناعية وأيضا التقنية الناعمة وهذا ما أظن يجب أن نراه في مستقبل هذا الشريك غير الجديد علينا.
نقلا عن جريدة الرياض