يأتي الدخل العام لأي دولة وفقا لمساهمتها في التجارة الدولية، فنحن نبيع للعالم نفطا ونحصل في المقابل على دولارات تصرف من خلالها الحكومة على شئون البلاد، لكن لتوجسنا من عصر النفط ومدى امكانية استمراره مصدراً شبه وحيد للطاقة، أصبحنا نتساءل وبإلحاح عن أهمية تنويع مصادر الدخل، ومدى الجدية في الجهود المبذولة ليس على مستوى الحكومة فحسب، بل وعلى مستوى القطاع الخاص.. فلا يجب أن نستمر في الاعتماد على بيع النفط لجلب دخل لنا في عالم متغير، ينشط فيه الباحثون عن بدائل لتصبح مصادر جديدة للطاقة.
إن كثيرا من دول العالم لا تبيع نفطا، فهل تبيع اليابان نفطاً ؟ وهل تبيع كوريا الجنوبية نفطاً ؟ وهل تبيع تايون نفطاً؟ وهل تبيع سنغافورة نفطاً ؟ هذه دول غنية، فمن أين يأتي غناها؟ إنها تصنع منتجات مختلفة الأنواع من إلكترونيات، وأجهزة، وسيارات، وغيرها مما هو ذو تقنية عالية أو غير عالية وتصدره، فتحصل على ما يحقق لها الثراء.. بمعنى آخر أن الشركات كبيرة أو صغيرة في تلك الدول تستثمر عقول البشر وقدراتهم وإمكانياتهم؛ لتحقق دخلا قوميا عاليا.
إذاً لابد من استخدام القوى البشرية في المجتمع عقولاً وأجساماً استخداماً فعليا لتحقيق معدلات دخل قومي للبلاد، وهنا يكمن دور الشركة المساهمة.
فالشركة كتنظيم إداري واجتماعي، هي الآلية التي من خلالها توظف المجتمعات ذات نظام السوق الحر طاقات أفرادها توظيفا جيدا؛ لتحقيق ما يمكنها من إشباع حاجاتها، والوصول إلى أهدافها الوطنية.
ويتطلب التوظيف الجيد للقوى البشرية مقدرة إدارية لا توجد في كثير من الشركات لدينا.. وهي لا توجد لدينا لأسباب منها، أن مواقع صناعة القرار في كثير من الشركات تشغل عادة بأشخاص هم إما من أسر تجارية أو من أشخاص محسوبين على هذا أو ذاك، ولم يتم اختيارهم على أساس الكفاءة، لذا لا توجد رؤية لدى الكثير من إدارات الشركات حول ما يجب وما يمكن تحقيقه من أرباح للشركة وللبلاد، ولذا أيضا لا توجد جرأة في المشاركة في السوق العالمية، وفتح المنافذ التجارية، والفروع في بلدان أخرى ما عدا القليل من الشركات مثل سابك وربما الاتصالات السعودية، وحتى البنوك لم تتصف بالجرأة المطلوبة، فلم تنتشر في بقاع الأرض رغم الميزة التنافسية لها المتمثلة في الريادة في تطبيق المصرفية الإسلامية، التي هي بديل للمصرفية التقليدية.
كما أنه لا توجد محاسبية Accountability على القرارات التي تتخذ من قبل إدارات الشركات، ولهذا فإن كثيراً من إدارات الشركات المساهمة تتخذ قرارات تقوم من خلالها بصرف أموال المساهمين دون أن تتوقع المساءلة، فلا يوجد ما يشير لتطبيق قواعد حوكمة governance تحمي أموال المساهمين من إدارات الشركات.. ويأتي غياب الاهتمام بالتدريب الهادف للتطوير الإداري، وتنمية مهارات القوى البشرية كمؤشر على ضعف إدارات الشركات لدينا، فالكثير من الشركات المساهمة لجهل إداراتها لا تهتم بالتدريب، وتعتبره تكلفة ورفاهية لا مبرر لها، رغم حاجة موظفيها لرفع مستوى مهاراتهم في عصر العولمة هذا الذي نعيشه، والذي يفترض أن ننافس فيه في أسواق المال والتجارة.
فإذا أردنا أن تلعب الشركة المساهمة دوراً في الاقتصاد المحلى، تقوم من خلاله بتحقيق دخل للبلاد، وتوظيف الشباب السعودي العاطل عن العمل فلنصحح أوضاعها، ونوكل إداراتها إلى مديرين مهنيين professional managers ذوى كفاءة ونزاهة، ولديهم رؤية تركز على المنافسة على المستوى العالمي، ولديهم توجه نحو التنمية الإدارية ورفع كفاءة القوى البشرية، كما يجب أن توجد رقابة على أدائهم وآلية لمحاسبتهم على النتائج التي يتوصلون إليها.
إن الشركات والمؤسسات التجارية يجب أن تلعب دورا هاما في تحقيق دخل للبلاد، فمن يعلم متى تكون نهاية النفط، وقد تكون قريبة، الله وحده أعلم.
نقلا عن جريدة اليوم
كلام سليم. المشكله ان مفهوم الشركه عندنا هو غالبا مفهوم بيع وشراء وليس انتاج وتطوير! واقصد بذلك اكثر الشركات العائليه. والاسوء ان اكثرها يعتمد على "المناقصات" الحكوميه. صرف الشركات على مراكز الابحاث لدينا ضعيف جدا اذا ماكان معدوم بأستثناء سابك وارامكو وكم شركه تعد على اصابع اليد.