أثارت توصية عضو مجلس الشورى الدكتور خالد العقيل برفع الحد الأدنى لأجور المتقاعدين إلى ثلاثة آلاف ريال، نقاشاً حيوياً وردود أفعال داخل المجلس وخارجه بصفحات التواصل الاجتماعي والصحافة وانصب النقاش في مدى الضرورة الاقتصادية للزيادة من عدمها، وعلل صاحب التوصية إثارته للموضوع من منطلق تكافلي غير عاطفي لتحقيق تكافل اجتماعي بين المواطنين ،ويبدو أنه كان يرد على زميله الدكتور محمد آل ناجي أكثر من التعليق على ردود الأفعال الاجتماعية ،لأن الأخير وصف المطالبة بالعاطفية.
ولا أرى عيباً في العاطفة بل التعاطف مع المتقاعدين واجب لأنه يعكس درجة من الوفاء لعطائهم في مرحلة معينة من تاريخ بلادنا. وقناعتى الراسخة بان التقاعد بداية حياة وليس نهاية عطاء وهذه التوصية قد تحفز التخطيط لمستقبل المتقاعدين من حيث إدماجهم في الدورة الاقتصادية ،ومن حيث التفكير في الاستفادة من قدراتهم كمدخل لتحسين مستوى معاشهم مع توفير رعاية صحية لائقة عندما تتقدم بهم الأعمار.. ولهذا أدعو لتجاوز زيادة الأجر بالنظر في الاستفادة من تجارب دول تقدمت علينا في مجال رعاية المسنين.
وانخراطي في هذا الجدل ليس من أهدافه الانحياز بقدرما أود تبيين الأبعاد الاقتصادية للموضوع ،فمتى حدث وعي بها سينهي الجدل ويضع التوصية في مسارها الصحيح ويقيّم ما إذا كانت قابلة للتطبيق.
من المبادىء الاقتصادية ذات الصلة، أن طبيعة المال(الفيات) تغيرت بحيث أن المال أضحى وسيطاً وأن تمويل الأجور لا يحتاج إلا لاعتمادات رسمية تتم بلمسة زر بين شاشات أجهزة الحاسب الآلى بالمصارف المختلفة والمال بهذه الآلية الحديثة أصبح يأتي من لا شيء مما لا نحتاج معه لجدل حول رفع أجور المعاشين وإنما إلى فهم حديث للاقتصاد، وبهذه الخلفية يتبين أن المشكلة ليس في زيادة المعاش بألف ريال أو أكثر وإنما هل للزيادة أثر سلبي في الاقتصاد؟ بكلمات أخرى هل زيادة أجور المتفاعدين تحدث تضخماً سلبياً في الاقتصاد الوطني للمملكة؟ وتقتضي الموضوعية بأن الإجابة تحتاج لمعلومات إحصائية لكن إنفاق المال في الاقتصاد الحديث لا قيد عليه سوى قيد الأثر السلبي التضخمي في الاقتصاد المحلي ،ولهذا يقول أهل الاقتصاد أن الرقم (كم) ليس مهماً ، متى تم التحوط لمعدل التضخم ..وأخلص أن لا مبرر لرفض الزيادة أو وصفها بالعاطفية لأنه حسب قراءات أولية لن تضر باقتصادنا إن لم تفده.
إن اقتصاد المملكة في الفترة الحالية يحقق نمواً مضطرداً في الناتج المحلي الإجمالي وهو نمو يعتبر الأعلى في مجموعة العشرين ومكَّن المملكة من بناء احتياطات حكومية بلغت 1.7تريليون ريال في ظل عدم وجود مؤشر على زيادة في الدين العام في المدى المنظور، كما أن زيادة الإنفاق العام يفيد الاقتصاد في ظل إيرادات حكومية ممتازة جعلت الريال (ريال) بالجيم الكويتية، ولذلك مناقشة الزيادة في بعدها الاقتصادي يقود لاستيعابها ضمن طبيعة المال في الاقتصاد الحديث، ولهذا أرجح بأن زيادة أجور المُعاشين لن تحدث تضخماً في الاقتصاد المحلي اللهم إلا إذا توفرت معلومات إحصائية غائبة عنا أو تأكد بأن هناك زيادة في شريحة المُعاشين المستهدفين بحيث ترجح تقديرات مغايرة،خشية زيادة معدل التضخم.
وجملة القول أنتهزها فرصة لألتمس من مجلس الشورى الموقر النظر في أمر الزيادة من زاوية اقتصادية وعلى أساس أن المال في الاقتصاد أضحى مجرد وسيط اقتصادي وأن اقتصاد المملكة في أفضل حالاته ما يستدعي استيعاب الزيادة المقترحة في إطار زيادة السعة الإنتاجية وتعزيز النمو الاقتصادي في المملكة واهتمام المجلس بذلك يأتي ضمن اهتمامه بتطوير البنية الاقتصادية وزيادة أجور المُعاشين بالتالي منطقية ولن يكون لها أثر تضخمي طالما الريال (ريال).