أوطان غنية ومواطنون فقراء

07/11/2013 20
وليد عرب هاشم

قد نستغرب عندما نسمع عن بلد غني بموارده وثرواته بينما يلتمس مواطنوه أو على الأقل شريحة كبيرة منهم، الإعانات ويعيشون على حد الكفاف، ولكن ــ للأسف ــ فإن هذه الحالة التي تدعو للاستغراب هي الحالة العامة والمنتشرة بين الدول وغيرها هو الاستثناء، فلا يكفي أبدا أن يكون للوطن خيرات وثروات لكي ينعم بها مواطنوه، بل ــ للأسف، وبكل استغراب ــ قد يبدو أن العكس صحيح، ولكي نوضح ذلك دعونا نأخذ كمثال ما كان يسمى بالجماهيرية العربية الشعبية الاشتراكية الليبية العظمى (أرجو أن لم أنس صفة أخرى من اسمها)، فهذا البلد ظل أربعين سنة ينتج ويصدر ثرواته من النفط، ولكن بدون أن يصل ريال واحد من هذه الثروات لأي مواطن باستثناء سعادة العقيد وزمرته، وبجوارنا الشام والعراق الدول التي يجري فيها دجلة والفرات، والتي لا يستطيع أحد أن ينكر غناها وثرواتها من الأراضي الخصبة إلى الذهب والنفط، ولكن بدلا من أن تصل هذه الخيرات إلى الشعب، فإنها تستخدم لتدمير الشعب وإذلاله.

بل إن حكام تلك الدول لم يكتفوا بما لديهم من ثروات في بلادهم، وإنما استدانوا فوقها، واستعانوا بدول أخرى، من كوريا الشمالية إلى كوبا، ومرورا بالطبع بإيران (العظمى في أحلامها) ليدمروا شعوبهم ومواطنيهم، وبما أننا ذكرنا إيران، فمن لا يعلم عن غنى وثراء إيران، ولكن عندما يتم صرف الثروات على القلاقل والفتن وعلى ترسيخ حكم ظالم قمعي، فإن الشعب يزداد فقرا وكذلك بالنسبة لكوبا أو كوريا الشمالية، حيث من المعتاد سنويا أن يجوع مئات الألوف أو الملايين من مواطنيها، وقارن هذا الوضع بإخوانهم في كوريا الجنوبية، والذين ينعمون بأعلى مستويات الدخول على مستوى العالم، ولا داعي للاسترسال، فللأسف الأمثلة كثيرة، وهي تثبت أن غنى الوطن لا يضمن أبدا غنى المواطن، وذلك لأن هناك جهازا حكوميا في الوسط، وهو الذي يحول هذه الثروات إما لرفاهية الشعب ــ بإذن الله ــ أو إلى دماره.

وكما ضربنا أمثلة في غاية السوء ككوريا الشمالية وليبيا السابقة وسوريا الحالية لتوضيح مدى الدمار الذي ممكن أن تخلفه حكومات ظالمة، وكيف أن ذلك قضى على ثروات البلاد والعباد، فهناك أمثلة معاكسة لذلك،وإن كانت ــ للأسف ــ قليلة، وهي حكومات كرست نفسها لخدمة مواطنيها واستخدمت ما لديها من ثروات وإمكانيات لتدريب المواطنين وتأهيلهم وحماية أموالهم وتيسير أعمالهم، وبالتالي نمت الثروات وزادت الرفاهية،ولعلنا نضرب هنا كمثال كوريا الجنوبية التي ذكرناها ونضيف لها سنغافورة وهونج كونج ومعظم ما يسمى بدول العالم الأول من الولايات المتحدة الأمريكية إلى اليابان، وهذه الأخيرة تكاد تخلو من الثروات والموارد الطبيعية، ومع ذلك وصلت لمصاف أغنى الدول وأغنى المواطنين، وهذا لا يعني عدم وجود فساد في الدول.

فالفساد في كل مكان ــ للأسف ــ ولكن الأصل لديهم هو خدمة المواطنين ومحاسبة المسؤولين.

بالتالي فإن العامل الأساسي في غنى المواطنين ورفاهيتهم لا يكمن في توفر الثروات لدى الوطن، وإنما يكمن في نزاهة الإدارات وكفاءتها، وبقدر ما تكون الأجهزة والمؤسسات نزيهة وتعمل بكفاءة وبدون تقاعس وتأخير بقدر ما يستفيد الوطن والمواطن، بينما انتشار الفساد كمثال الرشوة والمحاباة وتقبل الخطأ بدون محاسبة والتقاعس والتأجيل والتسويف يصب ذلك كله في ضياع الثروات وإهدارها، فالمواطن الذي يحتاج أن يرشو لكي تمشي أموره أو يحتاج أن ينتظر أشهرا لكي يحصل على اعتماد لمعاملاته سيجد عقبات أمام النجاح والثراء،وعندما لا يكون هناك عقاب واضح وصريح، بحيث يرتدع المرتشي والمتقاعس ويعتبر غيره، فإن هذا الفساد ينتشر، وبذلك ينخر في صحة أي مجتمع أو اقتصاد إلى أن يقضي عليه مهما كانت لديه من ثروات،ويصبح الفقر معتادا عند المواطنين بالرغم من غنى الوطن، فالفيصل في غنى المواطنين ورفاهيتهم هو نزاهة الأجهزة الحكومية وكفاءتها وليس ثروات الوطن، فهذه الثروات ممكن أن تهدر مهما عظمت.

نقلا عن جريدة عكاظ