أسابيع معدودة فقط تفصلنا عن انتهاء العام المالي الحالي، حين تبدأ مؤسسات الأعمال والشركات المساهمة في الإعلان تباعا عن نتائج أعمالها ضمن تقرير سنوي تلزمها الأنظمة التجارية والمالية بإصداره خلال فترة زمنية محددة على إنتهاء السنة المالية المنتهية، وتتضمن تلك التقارير عادة أقساما عديدة، من أبرزها وثيقة هامة هي تقرير مجلس الإدارة الذي يجب أن يوضح فيه المجلس لكافة أصحاب العلاقة من حملة الأسهم والمستثمرين إضافة للسلطات المختصة، معلومات وافية عن أداء الشركة، ومواردها المختلفة وأبرز متغيراتها وأنشطتها خلال العام المالي المنصرم؛ هذ إضافة لتوضيح أرقام الميزانية وحساب الأرباح الخسائر وأسباب تحقيقها، ودور الشركة في الإسهام في التعامل مع التحديات والتطلعات الوطنية إذا كان لها دور في ذلك.
وخلافا للميزانية التي تحدد الأنظمة طريقة عرضها وطبيعة البيانات والمعلومات التي يجب أن تتضمنها من حيث طريقة إدراج الأصول والخصوم والأرباح أو الخسائر وغيرها من الأرقام المالية المحددة، فإن الأنظمة لم تلزم الشركات بإيراد محتويات محددة ولا بطريقة عرض معينة لتقرير مجلس الإدارة، إلا أن ثمة عرفا سائدا بأن تتضمن تلك التقارير لمحة عامة عن المناخ الاقتصادي في البلاد، مع الإشارة إلى أبرز المتغيرات المالية والنقدية، وطبيعة تأثير ذلك على أداء الشركة؛ مع إيراد الخطوط العريضة لاستراتيجياتها وخططها التشغيلية ودورة أعمالها، كما يستحسن شمولية التقارير على إيجاز لأبرز متغيرات الاقتصاد الدولي والظروف السياسية العالمية، خصوصا إذا كانت لها انعكاسات واضحة على أداء الشركة، إلا أن ذلك يرتبط في تقديري بحجم الشركة والقطاع الذي تعمل فيه ومدى انكشافها على الأسواق الدولية، سواء في تعاملاتها المالية أو في تسويق وبيع منتجاتها وخدماتها.
ومن واقع متابعتي لتقارير بعض الشركات، يمكنني القول إن هناك تفاوتا واضحا في مقدار الإفصاح والحرص على إبداء الشفافية في محتويات تقارير الكثير من شركاتنا المساهمة، حيث إن قلة منها فقط هي التي تحرص مجالس إداراتها على إحاطة المساهمين بصورة شاملة ودقيقة عن العوامل التي أثرت على أداء الشركة في السنة المنتهية، وذلك من خلال تضمين تقاريرها تحليلا ضافيا ومعلومات كافية عن التطورات التشغيلية والإدارية للشركة والخلفيات التي أثرت على أدائها، والمخاطر التي ربما تكون قد تعرضت لها وكيفية تجاوزها أو تقليلها في المستقبل، مع عدم إغفال أبرز المتغيرات التي حدثت فيها، خصوصا إذا كانت المتغيرات رئيسية أو أخذت طابعا هيكليا، وكان لها تأثير ملموس على إيرادات الشركة وأرباحها الصافية ومواردها وأهدافها وقراراتها وتوجهاتها الاستراتيجية ووضعها التنافسي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر خلال الفترة التي يغطيها التقرير.
وفي غياب معايير نظامية لمحتوى تقارير مجالس إدارات الشركات، هناك عوامل قد تسهِم إلى حد كبير في ارتفاع مستوى الإفصاح والحرص على الشفافية في تلك التقارير، ومن أبرزها ــ في تصوري ــ هو مدى التزام الشركة بتطبيق مبادئ وأنظمة الحوكمة المؤسسية وحرصها على الفصل التام بين الملكية والإدارة، هذا إلى جانب الرؤية البعيدة لمجالس الإدراة في النظر لما يتجاوز النتائج المالية، بل يتعداها إلى تحقيق قيم مضافة متوسطة وطويلة الأجل لجميع أصحاب العلاقة، وإيراد الآليات الكفيلة بتحقيق ذلك، وانعكاساته على كل من المجتمع والبيئة، وبما يؤدي لتحقيق التنمية المستدامة للشركة وللمجتمع الذي تعمل فيه.
ختاما، فإن ثمة اعتبارات إضافية من شأنها تعزيز حق المساهمين في الشفافية والإفصاح في تقارير مجالس الإدارة، من بينها مستوى تأهيل وخبرات رئيس وأعضاء مجالس إدارات الشركات المساهمة، وتنوع اختصاصاتهم، إضافة لحجم الشركة، والقطاع الاقتصادي الذي تعمل فيه، والقدرات القيادية والإدارية التي يتمتع بها رئيس وأعضاء الفريق التنفيذي، ولا سيما المسؤولون منهم عن الإدارات المالية التي تقوم عادة بإعداد تقارير مجلس الإدارة التي يقع عليها الدور الأبرز في بيان الوضع المالي للشركة.
نقلا عن جريدة عكاظ