لم يوفق برنامج الحكومة الكويتية، في عرض متطلبات الترشيد في السياسات المالية، عندما أشار إلى أن دولة الرفاه قد تنتهي ما لم تطبق الضرائب في الكويت.
وتضمن البرنامج الذي صدر خلال الإسبوع الماضي وقبل انعقاد الجلسة الأولى لمجلس الأمة في دورته الحالية،تحذيرات في شأن استدامة الرفاه وعجز محتمل في الموازنة في موعد قد لا يتجاوز عام 2021.
وأثار هذا البرنامج موجة من التعليقات اللاذعة من سياسيين وعلى مواقع التواصل الإجتماعي.
لا شك في أن الكويتيين لم يستسيغوا لغة الخطاب التي حملها البرنامج الحكومي، في وقت تواجه البلاد تردياً في الخدمات العامة ومستويات البنية التحتية وتدني نوعية الرعاية الصحية والتعليم الرسمي.
لكن لا يمكن إغفال الحقيقة الواضحة التي تؤكد ارتفاع مستويات الإنفاق العام، خصوصاً الإنفاق الجاري، ونموه بمعدلات متسارعة تصل إلى ما يزيد على عشرة في المئة.
إذاً المعضلة الأساسية ليست في مستويات الإنفاق بل في كفاءة توظيف الأموال وعجز الإدارة الحكومية عن تقديم الخدمات المناسبة.
ثم أن هناك التباساً في المفاهيم حيث أن تعزيز دولة الرفاه واستدامتها لا يعني عدم وجود نظام، أو أنظمة ضريبية توفر الأموال المناسبة لتغذية الإنفاق.
هناك دول تتحمل حكوماتها توفير التعليم المجاني والرعاية الصحية وترتقي بنوعية الحياة في وقت تطبق أنظمة ضريبية محكمة (البلدان الاسكندينافية مثلاً).
طرحت في البرنامج قضايا مهمة تؤكد أهمية إنجاز الإصلاح الإقتصادي، كالإختلالات الديموغرافية وضرورة رفع نسبة المواطنين وتعزيز دور العمالة الوطنية من خلال رفع الكفاءة التعليمية والمهنية وموائمة النظام التعليمي لمتطلبات سوق العمل.
وكذلك إقرار قوانين مناسبة للعمل الإقتصادي مثل قانون B.O.T من أجل رفع مساهمة القطاع الخاص في العملية التنموية في البلاد.
كما أكد البرنامج ضرورة تحسين جاذبية البيئة الإستثمارية لتنشيط الإستثمار الأجنبي في القطاعات الحيوية.
وتعهدت الحكومة في برنامجها تقديم خطة تنمية متوسطة الأجل للفترة 2014/2015 - 2018/2019 تتوافق مع أهداف الدولة في التوظيف الأمثل للإمكانات المالية والبشرية.
وغني عن البيان أن الكويت تتمتع بإمكانات مالية تؤهلها لإنجازات مهمة في المجالات المذكورة.
وتمكنت الكويت من توفير إصول مالية مهمة حيث أصبحت أموال الصندوق السيادي نحو 400 بليون دولار، كما ساهمت زيادة إيرادات النفط من تمكين الحكومة من إتخاذ قرار برفع الإستقطاع لصالح صندوق الأجيال القادمة من عشرة في المئة إلى خمسة وعشرين في المئة من إجمالي الإيرادات الحكومية السنوية.
هذه القدرات المالية عززت الجدارة الإئتمانية للبلاد لدى مؤسسات التقويم، ولا بد من أن الكويت أصبحت من البلدان القليلة في العالم التي تتمتع بملاءة مالية مناسبة تمكنها من مواجهة إلتزاماتها وتحقيق فائض مريح في ميزان الحساب الجاري.
ما يثير استياء المواطنين وفقدانهم الثقة في أداء الحكومة هو تدني القدرات الإدارية والتنفيذية وعدم مواكبة التصريحات والطروحات والبرامج مستويات الإنجاز.
طرحت الخطة الخمسية الماضية، التي باتت في سنتها المالية الأخيرة، أهدافاً تنموية لم يتحقق منها الكثير،من أهمها زيادة العمالة الوطنية في سوق العمل من 16 في المئة عام 2008 إلى 21 في المئة عام 2014، لكن لم تتغير النسبة وظلت كما كانت عام 2008.
أيضاً، وفشلت كذلك في رفع نسبة الكويتيين في المجتمع السكاني الإجمالي من 31.5 في المئة إلى 35 في المئة.
هناك أمور باتت ملموسة للمواطنين، وكذلك الوافدين، وهي ضعف القدرات التنـفيذية حيث تتعطل مشاريع البنية التحتية، وبناء جامعة الكويت، وتمتد فترة التنفيذ إلى آماد تتجاوز ما هو مقرر لها.
يضاف إلى ذلك إرتفاع التكاليف لهذه الإنشاءات من خلال الأوامر التغييرية «Variation Orders» بنسبة عالية.
وأثيرت أخيراً مسألة الإسكان، حيث أن الرعاية السكنية تعتبر إلتزاماً حكومياً مهماً في البلاد، فقد تراكمت طلبات السكن لدى الهيئة العامة للإسكان لتبلغ 105 آلاف، بمعنى استمرار 105 آلاف عائلة كويتية في انتظار تخصيص السكن، وتتراوح فترة الانتظار بين 15 و20 عاماً.
لكن المسألة لا يمكن اختزالها فقط في القدرات التنفيذية المحدودة أو تواضع كفاءة الإدارة، ولكنها تتصل أيضاً بطبيعة النظام الإقتصادي الحاكم.
فالكويت محكومة باقتصاد ريعي تتولى الدولة فيه المهام الرئيسة وتمتلك المؤسسات الأساسية في القطاعات الحيوية، ولا يزال القطاع الخاص بعيداً من لعب دور أساس في العملية الإقتصادية، ما يفقد البلاد إمكانات مهمة وقدرات إدارية يمكن أن تتعزز بالشراكة مع الشركات العالمية المتخصصة في مجالات عدة.
كما أن عمليات التخصيص التي طرحت خلال السنوات الماضية لم ينجز منها ما يذكر على رغم صدور القانون وإنشاء وقيام المجلس الأعلى للتخصيص.
بل إن عملية تخصيص الخطوط الجوية الكويتية والتي جرى الحديث عنها وإصدار القانون الخاص بها لم تتحقق حتى يومنا هذا وما زالت رهينة المراوحة بين مجلس الوزراء ومجلس الأمة.
لا بد أن يثير الإصلاح الإقتصادي والأهداف التي طرحت في برنامج الحكومة، معارضات سياسية ومخاوف في أوساط المواطنين، خصوصاً أصحاب الدخل المحدود، ولكن لو أنجزت بكفاءة لراجع الكثير من هؤلاء مواقفه بناء على النتائج التي تتحقق وبعد أن تتعزز مستويات الرعاية والخدمات ونوعية الحياة.
كثير من الدول مرّ في مراحل إصلاح، إلا أن الأمور سرعان ما توافقت مع أهداف التنمية المنشودة من كل فئات المجتمع، أو غالبيتها.
ويشكو الكثير من الكويتيين من تراكم الدراسات والتوصيات المطروحة من جهات إستشارية محلية وعالمية، والتي بقيت بلا تنفيذ أو إنجاز ملموس.
نقلا عن جريدة الحياة