الأرقام التي تصدر في كل الاقتصادات العالمية تمثل حقيقة ما تم إنجازه وما تواجهه من تحديات، ويُبنى على أساسها خطط حكومية اقتصادية او اجتماعية، وكذلك قرارات المستثمرين بتوجهاتهم المستقبلية والكثير من الجوانب المهمة الأخرى كالدراسات والأبحاث.
إلا أن ما يظهر من أرقام في الاقتصاد المحلي يحمل الكثير من التباين بين ما تصدره مصلحة الإحصاءات العامة المعني الأول والمرجعية الأساسية بكل الأرقام التي تصدر محلياً وبين الجهات الحكومية الأخرى حسب اختصاصها او حتى تقارير بيوت المال او المختصة بالدراسات الإحصائية.
وإذا كان بالنسبة للسوق هو ما يصدر من الجهات الرسمية، فإن حجم التباين أيضاً كبير، وما يمكن ذكره من أمثلة على ذلك لا يغطي بالتأكيد كل الإحصاءات بقدر ما يعطي تصوراً على الفروق الكبيرة بالأرقام الصادرة، فنسبة البطالة المعلنة من مصلحة الإحصاءات قدرت عند 12% وبعدد عاطلين يبلغ 620 ألفاً، بينما أرقام نظام حافز التابع لوزارة العمل وهو المعني بطلب الإعانة للعاطلين تظهر أرقاماً تتجاوز المليون عاطل منذ بداية العمل به، مما يعني أن نسبة البطالة تقارب ضعف النسبة المعلنة.
ومثل هذا التباين الكبير يربك الخطط الاقتصادية وما يرتبط بها او يُبنى على أساسها.
ومن المعروف أن نسب البطالة ذات دلالة كبيرة على نجاح او فشل الخطط الاقتصادية او التوجهات الاستثمارية، وكذلك النواحي التشريعية او التنظيمية السائدة في سوق العمل والمنظمة له. ولا تختلف إحصاءات السكن بتباينها عن البطالة، فتظهر أرقام المصلحة أن نسب تملك السكن عند 60% بينما الأرقام المنشورة في دراسات اقتصادية صدرت عن بنوك وبيوت مال عديدة وتوضح بأنها اعتمدت على معلومات رسمية تظهر النسب عند 40% إذا شملت المساكن الشعبية القديمة و32.5% إذا ما تم الاعتماد على المساكن التي تعد مناسبة للسكن.
وبغض النظر عن هذه التفصيلات فإن الفرق بين أرقام الجهتين كبير جداً.
ومع غياب أرقام أخرى عن عدد المساكن الجديدة المعدة للبيع او للإيجار وكذلك عدم إصدار عدد الرخص الجديدة للبناء من قبل الأمانات بشكل دوري أسبوعي او شهري، فإن النظرة لواقع السكن تصبح مربكة لقرارات المستثمرين تحديداً، ويعطي المجال للتأثير على الأسعار وسوء تقديرات المثمنين والمسوقين.
ومع الاتجاهات الحكومية بمعالجة قضية تملك السكن من خلال ما أقر من خطط لها في السنتين الماضيتين، يصبح الدخول للاستثمار في القطاع الكني من قبل القطاع الخاص ضبابياً للمستقبل، ويؤثر ذلك على كل الجوانب الاستثمارية والتمويلية المرتبطة فيه.
فالكثير ينظر الى وجود طلب على السكن كبيراً، بينما حقيقة العرض غائبة او مغيبة. وإذا ما استمر هذا الغموض في كل جوانب العرض والطلب، فإن السوق السكني سيصطدم بالحقيقة في لحظة ما، وسيصاب بالشلل وانهيار الأسعار، وسيعزو ذلك الى ألف سبب وسبب دون أن يصل إلى نتيجة واضحة، بينما ما غاب عن السوق من معلومات هي السبب سواء بتورط مشترين بأسعار مرتفعة او مستثمرين ظنوا أن السوق سيستوعب كل ما يضخونه من وحدات ستبقى بين أيديهم عند تراجع الطلب نتيجة زيادة العرض الغائبة أرقامه الى الآن، وكذلك مبالغة البعض برفع الأسعار طمعاً في مكاسب أكبر لأنه بنى توقعاته الى زيادة الطلب بينما غفل عن تقدير القوة الشرائية للمستهلك، وأن الممولين لن ينساقوا وراء أي سعر خصوصاً مع تطبيق نظام الرهن والتمويل العقاري، كما أن إرباك سوق السكن هو عامل سلبي على النمو الاقتصادي غير النفطي او الذي لا يرتبط بالإنفاق الحكومي، وتباين الأرقام والإحصاءات بشتى المجالات عامل سلبي للاقتصاد، وتطوير منظومة الإحصاء ضرورة لتحقيق أهداف كثيرة وبناء خطط تنموية قابلة للتنفيذ وأساس لجذب الاستثمارات وتوطينها.
ومن المهم أن يعاد تنظيم قطاع الإحصاء وتوزيع المهام فيه وتحديدها خصوصاً في الجهات الرسمية، وأن تعلن بشكل مفصل ودوري بحسب نوع الإحصاء، وترصد كلها على موقع مصلحة الإحصاءات التي يفترض أن تتطور لتكون جهة مستقلة ذات إمكانيات مادية وبشرية أكبر وأوسع، لتتمكن من أداء دورها المهم جداً.
نقلا عن جريدة الجزيرة