حكومة "خارج نطاق الخدمة"

08/10/2013 7
د. فواز العلمي

إذا فشلت محاولات "أوباما" قبل 17 أكتوبر الجاري، فستواجه الدول التي تمتلك السندات الأميركية وتتعامل بالدولار الخسارة الأفدح في تاريخها، وعليها أن تبدأ فوراً في تنويع سلة عملاتها الصعبة لتفادي كارثة تدهور قيمة استثماراتها.

في تغريدته على موقع "تويتر"، فجر يوم الثلاثاء الماضي، اتهم الرئيس "أوباما" مجموعة النواب في الحزب الجمهوري بأنهم فرضوا على الكونجرس الأميركي تعطيل الحكومة الفيدرالية لعدم إقرارهم قانون الميزانية الأميركية. 

في أميركا، يتطلب إقرار الميزانية السنوية موافقة مجلسي الكونجرس، مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون ومجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون.

بسبب رفض الحزب الجمهوري لبرنامج إصلاح الرعاية الصحية المعروف باسم "أوباما كير"، فشل الكونجرس الأميركي ليلة الثلاثاء الماضي في إقرار قانون الميزانية الأميركية لعام 2014.

ونتيجة لذلك أمر البيت الأبيض رؤساء الهيئات الحكومية الأميركية بتنفيذ خطط إغلاق مؤسساتهم، ليصبح الرئيس "أوباما" و1265 موظفا في البيت الأبيض و800 ألف موظف فيدرالي، في عطلة قسرية بدون رواتب اعتباراً من صباح يوم الثلاثاء الماضي ولفترة غير محددة.

هذه هي المرة الثالثة في التاريخ التي تغلق المؤسسات الفيدرالية الأميركية أبوابها، والتي جاءت بعد 17 عاماً من الإغلاق الثاني الذي تم في عهد الرئيس "كلينتون".

إلا أن الإغلاق الحالي سيؤدي إلى إشهار أميركا لإفلاسها بعد عجزها عن الوفاء بالتزاماتها وسداد فواتيرها للمرة الأولى في تاريخها، وذلك بسبب انخفاض السيولة النقدية اليومية المتوفرة لديها إلى 30 مليار دولار اعتباراً من 17 أكتوبر الجاري، فيما تفوق مصروفاتها 60 مليار دولار يومياً.

هذه المعضلة تشكل خطراً بالغاً على العالم أجمع لتأثيرها السلبي على الاقتصاد العالمي.

فالاقتصاد الأميركي هو الشريك الرئيسي بصورة مباشرة مع كافة دول العالم، لكونه الاقتصاد الأكبر والأكثر تنوعاً وحيوية، وبالتالي فإن نمو هذه الدول سيتأثر سلباً لدى تراجع الاقتصاد الأميركي.

وتتفاقم هذه المعضلة أيضاً بسبب تراكم الديون الأميركية، لتشكل أهم المؤشرات المقلقة التي تلقي بظلالها على آفاق النمو المرتقبة للاقتصاد الأميركي في المستقبل القريب، مما ينذر بانكماش جديد ستكون له انعكاسات سلبية خطيرة على الاقتصاد العالمي. 

فور إغلاق أبواب الحكومة الأميركية أعلن الرئيس "أوباما" عن اختصار رحلته الآسيوية بإلغاء زيارته لماليزيا، وتحدث وزير خارجيته "جون كيري" مهدداً بأن الإغلاق سيؤثر على مكانة أميركا في العالم أجمع، لعجزها عن مواصلة فرض عقوباتها على إيران وسورية.

وعلى المستوى التجاري ألغت وزارة التجارة الأميركية الجولة الثانية من مفاوضات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، التي كان من المفروض عقدها في الأسبوع القادم، مشيرة إلى الصعوبات المالية وغياب الموظفين وتوقف أعمال الحكومة.

كما أعلنت شركة "لوكهيد مارتن"، أكبر مُصَنِّع لأجهزة الدفاع الأميركية، أنها ستمنح 3000 من موظفيها إجازة غير مدفوعة الراتب لمدة شهر لتفادي الشلل الجزئي الذي أصاب مصانعها.

في الأسواق المالية بدأ النفط في التراجع من أعلى أسعاره، التي سجلها نتيجة مخاوف توجيه ضربة عسكرية لسورية، لينخفض من مستوى 112 إلى 101 دولار للبرميل، وصاحب ذلك تراجع مؤشر "داو جونز" الصناعي الأميركي 128 نقطة بنسبة 0.84%، وانخفض مؤشر "داكس" الألماني بنسبة 0.26% أي بمقدار 22.34 نقطة، وهبط مؤشر "فوتسي" البريطاني بمقدار 15.96 نقطة أي بنسبة 0.25%.

وفي آسيا أغلقت كافة مؤشرات الأسواق المالية على انخفاض بنسبة 0.94% في مؤشر "نيكي" الياباني و0.87% في بورصة "طوكيو" و0.33% في بورصة "هونج كونج" و0.12% في بورصة "كوريا الجنوبية". 

يبدو أن الاقتصاد الأميركي يمر حالياً في أحلك فترات تاريخه، فلقد تبخر الحلم الذي روج له "أوباما" على مدى فترته الرئاسية السابقة.

ويكفي أن نقرأ تصريح وزير الخزانة الأميركي "جاكوب ليو" الذي أكد فيه أن ما تبقى في الخزانة الأميركية لا يتعدى 50 مليار دولار ولا يكفي لدفع الرواتب الحكومية ونفقات الخدمات العامة خلال الفترة القادمة.

ولا شك أن "أوباما" يدرك جيداً أن اقتصاد بلاده تدهور خلال فترة رئاسته بشكل غير مسبوق، فالديون الأميركية قاربت اليوم حدود 17 تريليون دولار لتساوي 92% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، وتعادل 125% من قيمة التجارة العالمية السنوية في قطاعي السلع والخدمات، وتفوق 212% من كافة ديون بلاد العالم.

بين ليلة وضحاها أصبحت الصين الشيوعية أكبر دائن لأميركا الرأسمالية، حيث بلغ احتياطي النقد الأجنبي للصين نحو 3.2 تريليونات دولار أميركى بنهاية الشهر الجاري، منها 1.2 تريليون دولار أميركى أودعتها الصين في سندات الخزانة الأميركية بنهاية سبتمبر الماضي. 

أزمة الديون الأميركية تعني أن كل مواطن أميركي مدين للغير بمبلغ 46 ألف دولار، منها 30 ألف دولار لصالح دول العالم.

ومع ذلك ما زالت وتيرة الصرف المالي الحالي في أميركا تضيف 4 مليارات دولار يومياً إلى الدين الأميركي، مما قد يؤدي إلى تدهور الاقتصاد الأميركي وتخفيض تصنيفه السيادي دون مستوى الملاءة المالية.

وإذا فشل "أوباما" خلال الأيام القليلة القادمة في رأب الصدع بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي في الكونجرس لإقرار قانون الميزانية الفيدرالية ورفع سقف الدين العام، فإن الحكومة الأميركية ستواجه حتماً إعلان إفلاسها للمرة الأولى في التاريخ وسوف يصاحب ذلك تدهور شديد لقيمة الدولار. 

إذا فشلت محاولات "أوباما" قبل 17 أكتوبر الجاري، فستواجه الدول التي تمتلك السندات الأميركية وتتعامل بالدولار الأميركي الخسارة الأفدح في تاريخها، وعليها أن تبدأ فوراً في تنويع سلة عملاتها الصعبة لتفادي كارثة تدهور قيمة استثماراتها، فالحكومة الأميركية أصبحت اليوم خارج نطاق الخدمة ورئيسها "أوباما" أصبح موظفاً حكومياً بلا راتب.

نقلا عن جريدة الوطن