برز في الكويت، في الآونة الأخيرة، تذمر واضح من عدم توافر السكن الخاص للكويتيين واضطرار عديد من الأسر الشابة للسكن بالإيجار لسنوات عديدة قبل أن تحصل على الرعاية السكنية المستحقة من الدولة.
ويعود التذمر إلى تراكم طلبات السكن لدى الهيئة العامة للإسكان.
وبموجب نظام الرعاية السكنية تقوم الهيئة العامة للإسكان ببناء المساكن وتوزيعها على المتقدمين بطلبات،واعتبار السكن قرضاً بمبلغ لا يتجاوز 70 ألف دينار (247 ألف دولار) يسدد على مدى زمني طويل قد يصل إلى 40 سنة بأقساط شهرية متهاودة، ولا يحمل القرض أي فوائد.
ويمكن الحصول على قرض بالمبلغ ذاته من «بنك التسليف والادخار» الحكومي، إذا كان المتقدم يملك قسيمة أرض يريد بناء سكن خاص عليها.
ونتيجة للقدرات المحدودة للهيئة العامة للإسكان ولمشكلات عدم توافر الأراضي المهيأة للسكن أصبح على كثيرين من المواطنين الصبر لمدة زمنية قد تصل إلى 20 عاماً للحصول على السكن.
وبموجب تقارير رسمية تتزايد طلبات السكن الخاص في الكويت بمعدل 10 آلاف طلب سنوياً في حين لا تتمكن الحكومة من إنجاز أكثر من أربعة آلاف سكن في العام.
ويشير اتحاد العقاريين إلى أن هناك ما يقارب 120 ألف سكن في البلاد، أقيمت منذ بداية عصر النفط، فيما لا تزيد أعداد الأراضي الصالحة للسكن عن 14 ألف قطعة في مختلف مناطق البلاد، ما يعني أن هناك صعوبة في توفير الأراضي لمواجهة الطلبات المتراكمة على مدى السنوات المقبلة، وهذا يدفع أسعار الأراضي السكنية إلى ارتفاع جنوني.
وتمثل المناطق المأهولة والصالحة للمعيشة والمتمتعة بالبنية التحتية ثمانية في المئة من مساحة البلاد التي تقدر بـ 17 ألف كيلومتر مربع.
وهناك مساحات شاسعة في البلاد غير مأهولة ولكن يكتنفها كثير من المصاعب دون تطويرها كأراض سكنية.
وتوجد مساحات مخصصة للتنقيب عن النفط، وأخرى لاستخدامات الدفاع والأمن.
لكن الكلفة كبيرة لتوفير البنية التحتية والمرافق والخدمات الضرورية.
ولا شك في أن الامتداد الأفقي للسكن وتفضيل الكويتيين الإقامة في مساكن منفصلة أو فيلات وبمساحات كبيرة قد زاد من التكاليف والرأسمالية.
وطُرحت أفكار منذ سبعينات القرن الماضي لاعتماد السكن العمودي بمعنى بناء عمارات سكنية وتوزيع شقق على المواطنين بدلاً من الفيلات أو الأراضي والقروض السكنية، لكن تلك المقترحات لم تلق آذاناً صاغية، كما أن المجتمع السياسي لم يتعامل بجدية معها على رغم أنها تهدف إلى ترشيد فلسفة الرعاية السكنية لما قد ينتج عنها من عدم شعبية لمن يتبناها.
ومعلوم أن النمو السكاني بين الكويتيين أصبح مرتفعاً إذ يقارب 2.8 في المئة سنوياً بما يؤدي إلى تزايد أعداد الراغبين في السكن، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن أكثر من 80 في المئة من المواطنين الكويتيين تقل أعمارهم عن 40 عاماً، ما يؤكد التدفق المستمر لطلبات السكن.
عام 1954 صدر المرسوم الأميري لمجلس الإنشاء الذي أُوكِل إليه بناء ألفي وحدة سكنية لتوزيعها على المواطنين المحتاجين إلى السكن.
بعد ذلك تحولت مسؤولية الإسكان إلى عدد من الدوائر الحكومية، ومنها «بنك الائتمان» الذي تحول إلى «بنك التسليف والادخار».
وبدأت القروض السكنية بـ 15 ألف دينار قبل أن تصل إلى 70 ألفاً.
وفي 1974 أنشئت الهيئة العامة للإسكان والتي أصبحت مسؤولة عن إقامة المساكن وتوزيعها على كل رب أسرة كويتي يتقدم بطلب سكن.
لكن ما هو مستغرب إنه حتى في إطار هذه المسؤولية لم يسمح للقطاع الخاص أن يقوم بدور حيوي في توفير المساكن الخاصة أو تطوير المدن السكنية من أجل المساهمة في تنفيذ أسرع للمساكن.
فالقانون الرقم 8 لعام 2008 «يحظر على كل الشركات والمؤسسات الفردية التعامل بالبيع والشراء أو الرهن أو إصدار حوالة حق أو إصدار توكيل بالتصرف للغير أو قبول وكالة بالتصرف عن الغير في القسائم أو البيوت المخصصة لأغراض السكن الخاص في أي موقع ومن ضمن أي مشروع كان، سواء في شكل مباشر أو غير مباشر، ويعتبر باطلاً بطلاناً مطلقاً وكأنه لم يكن كل تعامل في هذا القبيل وكل إجراء من شأنه نقل ملكية القسائم والبيوت المخصصة لأغراض السكن الخاص يجري بالمخالفة لأحكام القانون».
من الأفكار التي تراود كثيرين من الاقتصاديين ورجال الأعمال هي تمكين القطاع الخاص من خلال برامج متنوعة مثل «بي أو تي»، من القيام بإٍنجاز مدن سكنية بعد أن تخصص الدولة أراضي صالحة فتقوم الشركات بتهيئة المدن وتوفير البنية التحتية والمرافق اللازمة.
ولا شك في أن هذه الأعمال ستوفر للقطاع الخاص أعمالاً جيدة وتعزز فرص التمويل أمام المصارف وفي الوقت ذاته تتيح للمواطنين الحصول على السكن من ضمن آجال مقبولة.
ولا بد من تطويع التقاليد الاجتماعية لمواكبة العصر ودفع المواطنين إلى تقبل فكرة الأسرة التي لا يزيد عدد أفرادها عن أربعة أو خمسة بما يمكّن من تخفيض المساحات المناسبة للسكن المريح.
بيد أن هذه التحولات تتطلب توافر مجتمع سياسي يتسم بالمسؤولية والإرادة التي تتبنى التغيير والتعديل على الأنظمة المتبعة في البلاد.
فمن أهم المعوقات المعطلة للإصلاح في هذا المضمار هو توافر إيرادات نفطية مهمة وتحقيق فوائض سنوية مرتفعة تدفع السياسيين إلى رفض أي تعديلات بنيوية في أنظمة الرعاية والرفاه واتباع فلسفات اجتماعية أكثر رشداً وعقلانية.
نقلا عن جريدة الحياة