سجلت القروض الشخصية في المملكة نمواً كبيراً بالربع الثاني لهذا العام بلغ 21% قياساً بالربع المماثل من العام الماضي ووصلت إلى 328 مليار ريال ومثل هذا النمو النسبة الأعلى خليجياً .
وتشكل نسبة القروض الاستهلاكية الجزء الأعظم من إجمالي القروض وبنسبة تقارب 885% من إجمالي القروض للأفراد فيما ذهب الجزء الباقي إلى القروض العقارية بالرغم من إقرار نظام الرهن والتمويل العقاري الذي ينتظر أن يرفع من نسبة الإقراض العقاري والمصنف كاستثماري والذي يكون له انعكاس صحي على الاقتصاد من حيث تنشيط سوق الإسكان وتأثيره الإيجابي على الناتج المحلي من حيث النمو وفتح فرص العمل وتنشيط عمل القطاع الخاص بعيداً عن الإنفاق الحكومي العامل الأكبر حالياً بنمو الاقتصاد كما يساعد على جذب الاستثمارات للاقتصاد وزيادة الإنتاج من السلع والخدمات .
إلا أن ارتفاع نسبة القروض الاستهلاكية بمجمل القروض الشخصية له أثر سلبي عامة لأنه ينفق أغلبه على سلع لا تصنع محلياً أو للإنفاق على جوانب لا تأثير لها بالاقتصاد بل تزيد من أعباء الأسر حيث يدفع المقترض ثلث راتبه الشهري لسداد أقساط القرض وهذا بدوره ينعكس على إنفاقه وقدرته على الادخار ويضغط على التزاماته الأساسية بتكاليف المعيشة.
كما انه لا يمكن اعتبار أن حجم القروض الشخصية الحالي هو الرقم الشامل لكل القروض على الأفراد فهناك عمليات إقراض تتم خارج البنوك التجارية كبنك التسليف الحكومي أو من خلال شركات التقسيط وهذه الأخيرة لها حصة سوقية كبيرة بخلاف بعض حالات الإقراض التي يقوم بها أفراد بطرق غير منظمة وليست نظامية والدعاية لها تنتشر بالطرقات وأصبحت ظاهرة معروفة وتعمل مؤسسة النقد على القضاء عليها نظرا لأضرارها الكبيرة على الاقتصاد .
وبالعودة لحجم الإقراض المعلن فإن نسبته تشكل 23% تقريبا من حجم الناتج المحلي غير النفطي الذي وصل العام الفائت إلى 1427 مليار ريال وتبلغ نسبتها 12% للناتج الإجمالي المحلي الكلي الذي سجل 2،7 ترليون ريال العام الماضي وبما أن جل القروض استهلاكية ومع ارتفاع حجم الواردات إلى ما يقارب 584 مليار ريال للسنة الماضية ولا يتوقع أن يكون الرقم لواردات العام الحالي أقل منه فإن الجانب الاستهلاكي الكبير للقروض ينعكس بشكل مؤثر بارتفاع حجم الواردات من سيارات وأجهزة كهربائية أو إلكترونية أو الأثاث فلو كان جزء مما ينفق من هذه القروض لشراء منتجات محلية فإن ذلك يعد صحياً لأنه يساهم بزيادة الإنتاج المحلي وآثاره الإيجابية من ضخ استثمارات أو توظيف ورفع لمستوى الدخل عامة للعاملين بالقطاعات الإنتاجية وتقليل للاستيراد الذي بات يشكل رقما كبيرا بالاقتصاد.
ومن المهم أن يكون هناك أبحاث ودراسات تنبه لمخاطر التوسع بالقروض الشخصية الاستهلاكية المحتملة على الفرد وحتى القطاع المالي إذ إن احتمال ارتفاع نسب التعثر واردة خصوصا إذا ما كان هناك حالات عدم استقرار وظيفي وتحديدا بمن يعملون بالقطاع الخاص.
ويبقى الأهم هو معرفة أسباب لجوء الأفراد للقروض الاستهلاكية ومعالجتها من جهة إذا كانت ترتبط بضعف الدخل لدى البعض وزيادة الالتزامات المعيشية بكل الجوانب المؤثرة فيه وكذلك توفير الخدمات الصحية والتعليمية والنقل وغيرها من مجمل أساسيات ومتطلبات الحياة للأسر لتقليل أثر زيادة تكاليف المعيشة عليهم بل والمساعدة على رفع قدرتهم الادخارية وكذلك الإسراع بحلول لمشكلة السكن واتجاه بوصلة الإقراض لتملك السكن على حساب القروض الاستهلاكية .
إن معدلات نمو الإقراض للأفراد أصبحت مرتفعة والأخطر هو استمرار نموها بمعدلات متسارعة كبيرة تفوق حتى النمو بالناتج المحلي فالمعالجة المبكرة لتوجهات الإقراض ستكون إيجابية وصحية للاقتصاد وللمجتمع فمنذ الربع الأول لعام 2011م إلى الآن ارتفعت القروض الشخصية بأكثر من مائة مليار ريال وهو نمو ضخم جداً ولا يمكن اعتبار زيادة حجم النقد بالاقتصاد والودائع لدى البنوك مبرراً لهذا الارتفاع الكبير إلا إذا كانت توجه جل القروض للشق الاستثماري وتحديدا العقاري وليس الاستهلاكي الذي يستفيد منه المنتجين بالخارج أكثر من الداخل ويعد عاملاً مساعداً على تصدير الأموال بالإضافة للعوامل الأخرى ومن أبرزها حوالات العمالة الوافدة وكذلك استيراد السلع لتلبية الطلب المحلي الكبير الناتج من الإنفاق الحكومي المرتفع منذ عدة سنوات على مشاريع البنى التحتية فتصبح كل هذه العوامل مؤثرة على ضعف توطين الأموال بالاقتصاد والتي تأتي جلها من إيرادات بيع النفط.
نقلا عن جريدة الجزيرة
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع