فشلت "جافتا" في تحقيق أدنى مستويات أهدافها التنموية. بل على العكس، ازدادت حدة الشقاق بين شعوب الضاد وتفوقت السياسة على التنمية، وتراجعت مراتب الدول العربية لأدنى مستوياتها.
وسط استغراب دول المعمورة، يقف الوطن العربي اليوم عاجزاً أمام تحدياته المصيرية، التي تستنزف ما تبقى من ثرواته وتقلق من نجا في ثوراته.
تغليب السياسة على الاقتصاد، وترجيح كفة الطائفية التعددية على العقائد السماوية، وانتشار الفساد على الملأ بين فئات المجتمع، أدت جميعها إلى تراجع مكانة الوطن العربي عالمياً وانتشار العنف والإحباط والفساد بين شعوبه، وتفاقم حدة الفقر بين سكانه بنسبة 52%، وزيادة وتيرة البطالة بين مواطنيه بمعدل 40% وتراجع نسبة تجارته البينية لإجمالي تجارته الخارجية بحدود 11%.
تمهيداً للتورط في المزيد من أحلامها الوردية، أطلقت جامعة الدول العربية اتفاقية "جافتا" في عام 1997.
هدفت "جافتا"، وهي كلمة مختصرة للأحرف الأولى باللغة الإنجليزية لاتفاقية "منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى"، إلى إلغاء الرسوم الجمركية بين الدول العربية بنسبة 10% سنوياً ابتداء من أول يناير 1998.
اليوم فشلت "جافتا" في تحقيق أدنى مستويات أهدافها التنموية، أو توحيد علاقاتها التجارية، أو حتى الاستفادة من المتغيرات العالمية.
بل على العكس، ازدادت حدة الشقاق بين شعوب الضاد وتفوقت السياسة على التنمية، وتعالت أصوات الحزبية على التجارة، وتراجعت مراتب الدول العربية لأدنى مستوياتها.
اليوم تربعت دمشق، أقدم عاصمة في التاريخ، عرش أسوأ مدينة في العالم بلا منازع، لتحل في مرتبة أقل من "دكا" في بنجلاديش و"لاغوس" في نيجيريا.
وحلت العاصمة العراقية بغداد في أسفل قائمة أفضل المدن العالمية محتلة المرتبة 221 عالميا، لتسبقها العاصمة السودانية الخرطوم بالمركز 217، والعاصمة اليمنية صنعاء في المركز 216. وفي أحدث تقرير لمنظمة الشفافية الدولية، احتل العراق مركز الصدارة مع كل من الصومال والسودان في معدلات الفساد.
وفي المؤشر العالمي للإرهاب أصبح العراق أكثر الدول تأثراً بالهجمات الإرهابية خلال السنوات العشر الأخيرة، تليه باكستان وأفغانستان واليمن، حيث فاقت ضحايا الإرهاب في هذه الدول نسبة 50% من ضحايا الإرهاب في العالم.
على النقيض من "جافتا" العربية، وبالرغم من حداثة عهدها وتباعد عقائدها واختلاف مجتمعاتها، أصبحت مجموعة "بريكس" اليوم، بعد عامين فقط من تأسيسها، أفضل تكتل اقتصادي دولي في ميدان العولمة.
تضم هذه المجموعة 5 دول صاعدة، هي الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب أفريقيا، وتشكل مساحتها 25% من مساحة اليابسة، ويقارب عدد سكانها 50% من سكان المعمورة، وتمتلك 30% من ثروات الأرض و42% من مجموع الاحتياطي النقدي العالمي.
واليوم أصبحت اقتصاديات مجموعة "بريكس" من أغنى دول العالم بعد تحقيقها متوسط معدل نمو اقتصادي سنوي يعادل 8%، ليفوق مثيله في الدول المتقدمة بمقدار 3%.
خلال اجتماع المجموعة في العام الجاري، تم الاتفاق على إنشاء بنك للتنمية برأسمال 50 مليار دولار لتمويل الاستثمارات وجمع احتياطات مشتركة من العملات بقيمة 100 مليار دولار، كما تم الاتفاق بين روسيا والصين على ضخ 38 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً إلى الصين ابتداء من عام 2018.
وبدأت مجموعة "بريكس" في عقد الصفقات وتبادل سندات القروض وتأسيس قاعدة تعاون استثمارية وتجارية مشتركة، وتكوين منظومة تعاون نقدية متعددة المستويات لاحتساب تجارتها البينية بالعملات المحلية.
وبعد توحيد أنظمتها الجمركية وأحكامها الاستثمارية وسياساتها الخارجية وتجارتها العالمية، بدأت مجموعة "بريكس" في حصد المراتب المتقدمة بين مدن العالم.
الصين الشيوعية، التي خرجت من سياسة العزلة والفقر وتعاطي المخدرات، أصبحت اليوم، بعد انضمامها لمنظمة التجارة العالمية، المنافس الأول لأميركا الرأسمالية، ولفتت أنظار العالم بإنجازاتها التنموية المستدامة والمتسارعة بعد نجاح سياساتها الإصلاحية الاقتصادية.
وضعت الصين برنامجاً تنفيذياً محكماً لمواجهة التحديات الأربعة للتنمية، لجعل اقتصادها أكثر قدرة على التكيف مع المتغيرات العالمية، والتركيز على الصناعة والبحث العلمي والإبداع التقني، وإصلاح هيكلة قطاعاتها الإنتاجية، وتنفيذ برامج اللامركزية في مشاريعها العامة.
خلال عقد من الزمن زادت تجارة الصين العالمية 400% لتصبح قيمتها 2974 مليار دولار في عام 2012، بينما ارتفع تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة في أسواقها 550% لتصل قيمتها إلى 1048 مليار دولار في العام الماضي.
واليوم تحتل "بكين" و"شنغهاي" المركز الثالث والرابع عالمياً الأكثر جاذبية للعيش والاستثمار بينما احتلت "هونج كونج" المرتبة الخامسة بوجود أكثر من 5000 مستثمر أجنبي، يملكون 160 مليار دولار من الاستثمارات. كما حقق مطار "هونج كونج" المرتبة الرابعة عالمياً كأفضل مطار وجاء مطار "بكين" في المركز الخامس.
أما البرازيل، الدولة الثانية في مجموعة "بريكس"، التي شارفت على الإفلاس في عام 2003، فتمكنت خلال فترة زمنية قياسية من تحقيق طفرة اقتصادية مشهودة، لتتبوأ مع نهاية عام 2012 المرتبة الـ6 كأكبر اقتصاد على مستوى العالم.
في تجربتها التنموية الفريدة، اعتمدت البرازيل على تنفيذ برنامج التقشف لسد عجز الموازنة والقضاء على أزمة الثقة واتباع سياسات الشفافية للحد من الفساد، مما أدى إلى خفض عجز موازنة البرازيل وارتفاع تصنيفها الائتماني، وجذب الاستثمارات الأجنبية لأسواقها وحل مشكلة الفقر بين مواطنيها.
كما لجأت البرازيل للصناعات التقنية المتقدمة وقامت بتشجيعها ودعمها وتطويرها، لتمتلك اليوم ثالث أكبر شركة تصنيع الطائرات التجارية في العالم، ولتمثل طائراتها نسبة 37% من أسطول شركات الطيران الإقليمية في أميركا.
بمكونات قوته الإقليمية، التي تمثل دينه الأوحد ولغته الموحدة ومجتمعه الواحد، يستطيع الوطن العربي أن يلغي السياسة والطائفية من قاموسه ويحقق أحلام "جافتا" الوردية ليتفوق على معجزة "بريكس".
نقلا عن جريدة الوطن