البورصات العربية والمأساة السورية

05/09/2013 0
عامر ذياب التميمي

فور الإعلان عن إمكانية توجيه ضربة عسكرية غربية إلى النظام السوري بعد تحميله مسؤولية استخدام أسلحة كيماوية ضد مدنيين في غوطة دمشق، شهدت أسواق المال العربية انخفاضات مهمة في مؤشراتها في ظل عمليات بيع كبيرة من قبل المستثمرين. ولكن هل هناك مبررات مقنعة لهذا التفاعل مع الأحداث السورية؟

معلوم ان الاقتصاد السوري لا يمثل منذ زمن طويل مجالاً مثمراً للأموال، ولذلك فالتوظيفات في العقارات والفنادق والصناعات التحويلية والزراعة والخدمات لم تكن ذات أهمية، على رغم تأسيس شركات استثمار خليجية مشاريع مشتركة مع القطاعين العام والخاص في سورية. وتأسست مصارف كثيرة بعدما أنهت الحكومة السورية قبل سنوات احتكارها للقطاع. ومولت المصارف الجديدة العديد من المشاريع في قطاعات العقارات والسياحة والصناعات التحويلية.

وأشار مستثمرون شاركوا في أعمال داخل سورية إلى كثير من العراقيل والمشاكل التي واجهت أعمالهم على رغم تسهيلات القانون الرقم 10 الخاص بالاستثمار. وأبدوا قلقاً في شأن الفساد الإداري الذي يعطل تخليص البضائع والمعدات والمواد الخاصة بمشاريع الاستثمار في مسعى من مسؤولين وإداريين لنيل مكاسب.

إذاً فالتأثير المباشر للأوضاع الأمنية والسياسية في سورية في أوضاع الشركات العربية المدرجة في البورصات، خصوصاً في الخليج، متواضع. ولكن المستثمرين في أسواق المال قلقون من انعكاس تداعيات الأزمة السورية على بلدان المنطقة، خصوصاً البلدان المجاورة لسورية حيث يمكن حصول ردود فعل، بما يعطل الأداء الاقتصادي.

الأرجح ان هناك مبالغات في شأن ردود الفعل تجاه إمكانات القيام بأعمال عسكرية ضد سورية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها. فالأرجح ان هذه الأعمال ستكون محدودة نوعياً وزمنياً، كما ان البلدان التي أعلنت رفضها الهجوم على سورية مثل روسيا وإيران لا تريد أو لا تستطيع مقارعة المجتمع الدولي حماية لنظام أفلس سياسياً وأخلاقياً، خوفاً من تعريض مصالحها إلى أخطار.

لذلك فإن على البورصات العربية نظرياً عدم التأثر بالوضع السوري. ولكن بورصات عربية كثيرة تعاني مشاكل مهمة لأسباب تتعلق بالبنية المؤسسية أو التداول أو أداء الشركات المدرجة ما يتطلب مراجعات ومعالجات من الجهات المختصة. فالأزمة السورية، خصوصاً مرحلتها المستجدة، أصبحت عذراً للتراجع وبيع الأسهم وعزوف المستثمرين عن توظيف أموالهم في الأدوات المالية المسعرة.

ولا تزال أسواق الخليج تعاني انخفاض قيم التداول اليومي، فسوق كبرى مثل سوق الكويت تعتمد على تداول أسهم غير ذات أهمية، إذ ان الشركات التي يجري تداول أسهمها هي شركات لم تحقق نتائج طيبة خلال هذا العام ويتدنى سعر سهم كل منها إلى أقل من القيمة الاسمية المقدرة بـ 100 فلس، فيما ينخفض تداول أسهم الشركات والمصارف الرئيسة التي تحقق عائدات مناسبة من اقتناء أسهمها وتمثل أرباحها النسبة العظمى من إجمالي أرباح الشركات المدرجة في السوق. لذلك لا يبدو التراجع في الأسواق قابلاً لانقلاب إيجابي سريع في حال جرى تجاوز الأزمة في سورية.

المشكلة الأساسية التي تواجه البورصات العربية ليست الأحداث السياسية والأمنية، على رغم أهميتها، بل العمق الاقتصادي، فهذه البورصات لا تعكس النشاطات الاقتصادية في أي بلد عربي نظراً إلى عدم تواجد شركات خاصة وعائلية أساسية في البورصات تمثل وزناً مهماً في الحياة الاقتصادية. يضاف إلى ذلك ان التداول لا يزال عرضة لطغيان الطابع الشخصي وغياب المؤسسات والمحافظ الأساسية التي يمكن ان تحقق الاستقرار والتوازن في عمليات التداول.

ومع أهمية الجهود المبذولة من أجل وضع الأسواق المالية العربية على خريطة أسواق المال الدولية من خلال التطوير واعتماد المعايير الموضوعية وتعزيز الشفافية، ستظل الأوضاع السياسية والأمنية في أكثر من دولة عربية غير مستقرة ومثيرة للقلق ولا يمكن تجاوز هذه الأوضاع من دون تطوير الوعي السياسي والاجتماعي والارتقاء بالثقافة، وهو أمر سيستغرق وقتاً طويلاً ولا يجوز ان يعيق الإصلاح الاقتصادي والمعالجات الهيكلية لآليات الاستثمار وأدواته، بما في ذلك أسواق المال.

هناك تجارب مع الأحداث خلال السنوات والعقود الماضية مثل الحرب العراقية - الإيرانية واحتلال الكويت وحرب تحرير الكويت ثم احتلال العراق من قبل القوات الأميركية والحليفة، فقد تأثرت البورصات إلى أمد قصير ثم عادت والتقطت الأنفاس وتحسنت التعاملات وارتفعت قيمة التداول تدريجاً. ولا يعني ما سبق ذكره التقليل من أهمية الأحداث، خصوصاً حدث بمستوى ضرب البنية العسكرية للنظام السوري، ولكن يجب ان تأخذ الأمور سياقها الاعتيادي والموضوعي، ويُفترض عدم الهلع وكذلك قياس النتائج.

ستتضح قدرة البورصات العربية على تجاوز ردود الفعل على الأزمات والانطلاق إلى بناء الثقة في أدائها ودورها في تحسين قيمة الأدوات المسعرة. ولا بد من ان تنتهي أي أزمة سياسية وأمنية، ولكن الأهم هو إنجاز البناء السياسي المؤسسي الذي يمكّن من الاستقرار والتطور ويمكّن البورصات من توفير الفرص الملائمة للمستثمرين.

قد ينقل رجال أعمال أصولهم المالية من البورصات العربية إلى بيئات أكثر استقراراً، ولكن يؤمل ان يعود هؤلاء بأموالهم متى ما تيقنوا من إصلاح الأنظمة الاقتصادية التي تحكم أعمال البورصات وبعد بسط الأمن والاستقرار في مختلف البلدان العربية. وقد يجد مستثمرون في الأسواق المالية العربية في هذه الأزمة، وغيرها من أزمات، فرصاً لاقتناء الأوراق المالية الجيدة وبأسعار مقبولة تمكنهم بعد حين من جني الأرباح.

نقلا ً عن جريدة الحياة ..