من المسلمات الاقتصادية أن السياحة تعد صناعة تحتل مكانا متقدما من نسبة الدخل القومي في كثير من دول العالم , وتتفنن كل دولة في تسخير مواردها الطبيعية والمناخية والاقتصادية في جذب السياح إليها , وتعتبر وزارة السياحة وزارة مستقلة في التشكيل الحكومي لكثير من دول العالم وذلك لما تساهم به من جلب للعملة الصعبة للبلد وزيادة الدخل القومي لها , والمساهمة في التوظيف وإيجاد فرص العمل للمواطنين , وتنشيط الحركة التجارية إلى غير ذلك من الفوائد , ولهذا فإن الدول تسخر إمكانياتها الطبيعية والمناخية والآثارية إضافة إلى تطورها الاقتصادي وإمكانياتها المادية في سبيل جذب اكبر عدد من السياح إلى دولهم.
وفي المملكة فطن المسئولون إلى ذلك منذ فترة غير قصيرة وتم إنشاء هيئة السياحة والآثار التي تخدم السياحة في المملكة وعملت على وضع الخطط , وزيادة التوعية والتعريف بمعالم السياحة ودعم المهرجانات والبرامج السياحية إلى غيرها من الخطط التي تخدم السياحة المحلية .
وعلى الرغم من هذه الجهود إلا أن الطريق لا زال طويلا أمام تفعيل السياحة المحلية وهناك الكثير من المقترحات لتفعيل دور السياحة الوطنية وإقناع السائح من داخل المملكة وخارجها بأهميتها , وسأقتصر هنا على مقترح واحد لأهميته , وإن سنحت الفرصة فسأتناول بعض المقترحات الأخرى في مقالات قادمة بمشيئة الله.
تتميز المملكة ذات المساحة الشاسعة بتنوع في تضاريسها وجغرافيتها ويتبع ذلك تنوع في مناخها , وفي فصل الصيف الذي يعتبر الموسم الأبرز لحركة السياحة المحلية والعالمية تزيد معدلات درجات الحرارة عن 40 درجة مئوية في معظم مناطق المملكة , لكن المناطق المرتفعة في منطقتي عسير والباحة ومحافظة الطائف تتمتع بأجواء معتدلة من حيث درجة الحرارة في فصل الصيف تدور حول الدرجة 30 درجة مئوية ولهذا فهي منطقة جذب سياحي طبيعية , لكن نقص الخدمات وقلة الشقق والفنادق ومراكز الإيواء السياحي في هذه المناطق تعد عامل طرد للسياحة هناك صيفا , ويعود ذلك إلى قلة الاستثمار السياحي من كبار رجال الأعمال في المملكة في هذه المناطق , وبالتالي فإن المستثمرون في القطاع السياحي لتلك المناطق من أصحاب رؤوس الأموال المتوسطة والصغيرة , ولهذا كانت الخدمات السياحية قليلة ومرتفعة التكاليف مما دفع بالكثير من السياح إلى تفضيل السياحة بالخارج ذات الإمكانيات العالية والمتنوعة والمنخفضة التكاليف .
ومن هنا أطالب الدولة بتبني إنشاء شركة سياحية عملاقة موجهة إلى هذه المناطق تحديدا بحيث تتملك الدولة فيها نسبة كبيرة من الأسهم ويطرح الباقي للاكتتاب العام , وأقترح أن لا يقل رأس مالها عن 10 مليار ريال , ويكون من أهدافها إنشاء منتجعات سياحية مميزة تستهدف مختلف شرائح المجتمع في هذه المناطق بحيث تجذب الفئة الغنية والفئة المتوسطة والفقيرة , كما تقوم هذه الشركة بإنشاء خدمات سياحية أخرى كالملاهي والبرامج الثقافية , وخدمات النقل والإرشاد والعناية بالأماكن الأثرية والتراث والثقافة بحيث تقدم منظومة متكاملة للسياحة إضافة إلى الدعاية والإعلان عن هذه المناطق بمختلف وسائل الإعلام الفعالة .
إن تدخل الدولة لدعم هذا القطاع من خلال هذه الشركة أو أكثر من شركة سيساهم في دعم السياحة المحلية وتوظيف الكثير من الشباب والتقليل من الفاقد الكبير في السياحة الخارجية إلى غير ذلك من الفوائد خصوصا أن قطاع السياحة في سوق الأسهم السعودي لا يزال أصغر القطاعات ( 3شركات فقط) رغم أهميته الاقتصادية الكبرى.