أين تكمن مشكلة نظامنا التعليمي؟

27/08/2013 3
د. عبدالرحمن محمد السلطان

التقرير الدولي الذي نشرته جريدة الجزيرة السبت الماضي عن واقع التعليم في المملكة والذي يظهر فجوة هائلة بين ما ينفق على التعليم وبين مستوى وكفاءة مخرجاته يعكس واقعاً مؤلماً لنظامنا التعليمي، وغني عن القول إنه لا يمكن تصور قيام نهضة حقيقية في بلد ما دون أن يواكب ذلك وجود نظام تعليمي عالي الكفاءة .

ضخامة ما ينفق على التعليم في المملكة، الذي يصل إلى ربع الإنفاق في الميزانية الحكومية أو حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي والذي يعتبر واحداً من أعلى المعدلات في العالم، يظهر أنه لا يمكن حل مشكلة نظامنا التعليمي من خلال هدر مزيد من الموارد المالية في هذا القطاع، وأن هناك تدنياً في كفاءة استخدام ما ينفق على هذا القطاع يلزم معه إجراء مراجعة صادقة وجريئة لواقع التعليم في بلادنا ينتج عنها إصلاحاً شاملاً لنظامنا التعليمي يوقف هذا الهدر الهائل في مواردنا البشرية الناتج عن ضعف تأهيلها، فمستوى معيشتنا عندما ننتهي من استنزاف ثروتنا الناضبة، التي من المحزن أن اعتمانا عليها يتزايد مع كل قطرة نفط نستزفها، سيتوقف على حقيقة استثمارنا في مواردنا البشرية.

والحقيقة أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية تتسبب في تدهور نظامنا التعليمي ولا يمكن تصور إصلاحه دون مواجهة صادقة معها:

1- قناعة معظم الملتحقين في نظامنا التعليمي أن فرص العمل المتاحة لهم مستقبلا مرتبطة بمن يعرفونه لا بما يعرفونه، أي أنه لا يهم حقيقة مستوى تحصيلك التعليمي طالما أنك تعرف شخصاً ما سيعطيك وظيفة سيكون كثيرون غيرك أولى بها لو طبقت معايير عادلة في التوظيف. وما لم نواجه هذه الحقيقة بصدق وحزم فإنه لا يمكن تحفيز الملتحقين في التعليم لتغيير نظرتهم للتعليم بكونه مجرد وثيقة تحصل عليها لا يهم كثيراً حقيقة محتواها طالما أنك تعرف الرجل المناسب في المكان المناسب.

2- تدني أداء معظم معلمي التعليم العام بسبب الكادر الوظيفي الذي يخضعون له، أو ما يسمى بسلم المدرسين. فكونه سلماً يضمن العلاوة السنوية للمعلم طوال سنين عمله دون أدنى تمييز للمجتهد أو إمكانية معاقبة للمسيء أوجد بيئة تعليمية لا تحفز على الأداء المتميز، فتراجع مستوى أداء المعلمين بشكل واضح. وما لم نعد صياغة الكادر الوظيفي للمدرسين، بحيث يمكن مكافأة المجد ومعاقبة المقصر فلا أمل في تغيير واقع تعليمنا العام المزري.

3- إننا نرتكب خطأً فادحاً في قبول كافة خريجي التعليم العام في الجامعات تقريبا، في حين نجد أنه في دول متقدمة يتصف تعليمها العام بالكفاءة العالية ومع ذلك لا يقبل في الجامعات إلا 40% من خريجي الثانوية، وهو ما يثير تساؤلاً عن النسبة المناسبة لمن يمكن قبولهم في الجامعات من خريجي تعليمنا العام في ظل التدني الشديد في كفاءة مخرجاته. وما لم نقم سريعاً بمراجعة سياسات القبول في الجامعات بصورة تجعل حقيقة التحصيل العلمي في التعليم العام معياراً حاسماً للقبول الجامعي وتقييد هذا القبول، ما يوجد قدراً من التنافس في التعليم العام ويجبر الجميع على مراعاة حقيقة التحصيل العلمي وعدم الاكتفاء بحصول الطالب على درجات مضخمة غير حقيقية، فسيكون من المحال إصلاح تعليمنا العام الذي سينعكس في مزيد من التدهور في مستوى تعليمنا الجامعي وفي مجمل عملية بناء مواردنا البشرية.

نقلا عن صحيفة الجزيرة