تتعطش المملكة اليوم إلى أسلوب أكثر كفاءة في استخدام ثروات النفط والغاز والمعادن، عبر وضع خريطة صناعية وخطة استراتيجية محكمة للصناعات الأساسية والتحويلية، ورابط للتكامل الصناعي والتنسيق بين الأساس والتحويل، لمجابهة كل الأخطار القادمة والمؤكدة بتأثيرها السلبي في منبع العملة الصعبة ومورد الدولة الوحيد في تغذية التنمية الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية.
إن ما تم اكتشافه أخيرا وبكميات كبيرة مبدئياً من النفط والغاز غير التقليدي في كثير من الدول، خصوصا في الدول المستهلكة الكبرى سيؤثر لا محالة بشكل سلبي في أسعار النفط عالمياً في المستقبل وكمية تصدير النفط السعودي الخام للأسواق الدولية، حتى إن نفى ذلك المختصون محلياً مراراً وتكراراً.
وإنه من المهم وضع خريطة للمملكة تذهب بها خلال عقد واحد لأن تكون إحدى أكبر ثلاث دول منتجة في العالم للمنتجات البترولية والبتروكيماويات الأساسية والوسيطة والنهائية. كما وتحويل أكثر من 80 في المائة من الإنتاج المحلي الخام من النفط وسوائل الغاز إلى صناعات بترولية ومواد أساسية ومنتجات تحويلية ذات قيمة مضافة أعلى يتم إنتاجها محلياً بحيث لا يتعدى استهلاك النفط الخام محلياً لصالح الطاقة وتحلية المياه والنقل أكثر من مليون برميل يومياً إطلاقاً. كذلك الغاز يجب ألا يهدر في إنتاج الطاقة كما تسعى إليه المملكة اليوم في تحويل اعتماد تغذية الكهرباء من النفط إلى الغاز ودمجه مع استراتيجية الطاقة المتجددة.
حيث إن الدولة تعاني نموا سنويا غير صحي ضعف النمو المتوسط عالميا في مجال الطلب على الكهرباء – خطر قومي يستنزف موازنة الدولة – كان من الواجب أن يكون الغاز المنتج محلياً يتم تحويله كافة كلقيم للصناعات البتروكيماوية والفائض منه يصدر، وأن يكون غذاء الكهرباء وتحلية المياه بشكل أساسي على الطاقة النووية، والشمسية، والمصادر المتجددة الأخرى. وكذلك تحويل جميع الصناعات الاستخراجية المعدنية المحلية إلى صناعات تحويلية وعدم إعطائها فرصة لتصديرها خاما ومواد أولية، كونها موارد ناضبة وفوق هذا تعود إلينا في شكل منتجات نهائية بتكلفة أعلى عند شرائها من جني العائد الربحي عند بيعها كخام ومواد أولية، ما يؤثر في الميزان التجاري السعودي لمصلحة تلك الدول التي تحول منتجاتنا الاستخراجية إلى منتجات نهائية.
وضع خطة تستدعي سرعة النظر في تحويل الهيئة الملكية للجبيل وينبع إلى هيئة مدن الصناعات الأساسية والتحويلية لتطوير مزيد من المدن على غرار جبيل وينبع وتأسيس مدن محلية متطورة للصناعات التحويلية، وضم مدينة وعد الشمال إليها، وذلك لتعزيز برنامج الخطة المرجوة الذي يهدف إلى تحويل جميع إنتاج الغاز والنفط الخام المحلي إلى صناعات بترولية وكيمائية وبلاستيكية واستخراج المعادن إلى صناعات تحويلية، ومن ثم النظر في طرح قرار وزاري إلزامي ينص على دمج جميع الشركات البتروكيماوية الوطنية - غير التابعة لشركة أرامكو - مع سابك ثم تحويل شركة سابك إلى مجموعة سابك الصناعية جنباً إلى جنب مع دور وطموح شركة أرامكو. لتنويع وزيادة الإنتاج من مواد أساسية إلى وسيطة ونهائية، وتقليل التكلفة، وإطفاء الخسائر، وتعزيز الملاءة المالية، وقوة تسويق وجودة المنتجات المحلية على مستوى العالم، وتعظيم الأرباح والتوسع والتنافسية العالمية والابتكار والتطوير، لتدارك التغيرات المحلية القادمة من رفع سعر اللقيم على الشركات المحلية البتروكيماوية– الذي سيكون قرارا ممتازا وحكيما – أو من التغيرات العالمية القادمة حول عودة التنافسية الشديدة على حصص الإنتاج والتصدير للأسواق الدولية من قبل أعرق وأكبر الشركات الدولية في مجال البتروكيماويات بعد ثورة الاكتشافات النفطية والغازية غير التقليدية والضخمة في بلدانها وفي أكثر الدول المتطورة صناعياً وعلمياً وتكنولوجياً.
إن الخريطة المرجوة تتجه نحو دعم التصنيع محليا بدلاً من تصدير البترول السعودي كخام للأسواق أو هدر ثروة الغاز الثمينة على الطاقة وتحلية المياه، بل أبعد من ذلك بكثير وهو يتمحور حول تأسيس بيئة علمية وبحثية محلية متطورة عالمياً وذات تنافسية عالية في مجال تطوير مواد بتروكيمائية جديدة ومحفزات صناعية وتكنولوجيات حديثة في مجال البترول والغاز ومكامنه، وتوسيع حصة الصناعات التي تعتمد على المواد الهيدروكربونية لتعزيز حظوظ واستدامة أهمية النفط عالمياً، خصوصاً النوع التقليدي.
إن على الحكومة السعودية واقتصاد العالم أن يعي أن أهمية النفط والغاز ليست محصورة في إطار إنتاج الطاقة، بل أصبحت ذا أهمية عالية، وذلك في الصناعات الاستراتيجية والحيوية أكثر بكثير من الطاقة، ذلك أنه لا بديل عنه حاليا.
وشرائح عديدة من الصناعات المتطورة أصبحت تعتمد بشكل لا يستهان به على الموارد الهيدروكربونية بشكل مباشر وغير مباشر ولا يوجد بديل عنها حالياً بعد نضوب وانحسار كثير من الثروات الطبيعية، التي كانت تعتمد عليها الثورات الصناعية في العصور السابقة قبل ثورة النفط والغاز. وقد تم اكتشاف أهمية النفط والغاز كبديل بعد الحرب العالمية الثانية بفضل من الله ثم العلماء والأبحاث العلمية والتطور الصناعي بعد دخول كثير من الصناعات في نطاق حرج ونفق مظلم. كما يجب أن تكون مصادر تغذية الطاقة وتحلية المياه محلياً على الطاقة النووية والشمسية والعضوية... إلخ بدلاً من هدر النفط والغاز في إنتاج الطاقة وتحلية المياه كونها لا تعطي قيمة مضافة عالية لمصلحة الاقتصاد والدخل القومي، كما يجب ألا يخرج استهلاك النفط والغاز عن إطار تغذية الصناعات ذات القيمة المضافة العالية.
وتحقيقاً لذلك يجب إنشاء شركة مساهمة للصناعات التحويلية على غرار شركة سابك للصناعات الأساسية من قبل كل من صندوق الاستثمارات العامة، ومؤسسة التقاعد، والتأمينات الاجتماعية، وشركة أرامكو، وسابك، ومعادن، كمساهمين بنسبة 80 في المائة وما تبقى يطرح للمساهمة العامة.
ذلك أن قطاع الصناعات الأساسية الأقل عطاء في توفير فرص عمل والأكثر تكلفة إنشائية وضخامة في رأس المال واستهلاك الطاقة في حين يعتبر قطاع الصناعات التحويلية أحد أكثر القطاعات سخاء لتوفير فرص العمل والأعلى قيمة مضافة للاقتصاد، وهذا لا يعني ألا يتم تطوير الصناعات الأساسية في المملكة والتوسع بها، كونه يوجد بينهما رابط اقتصادي متين وعلاقة طردية.
إن القطاعات الصناعية التي تمتلك مزايا نسبية وفرص نجاح في السعودية والقدرة التنافسية على المستوى الدولي، هي القطاعات التي تعتمد على مدخلات النفط والغاز والمعادن. والهدف المرجو منها الاستثمار المكثف في مجمل القطاعين معا (الصناعات الأساسية والتحويلية)، لغرض التكامل الصناعي وتنويع الصادرات والدخل الاقتصادي.
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
طرح منطقي لتحديات جوانب محددة لصناعة وطنية لا زالت تبحث عن هوية واضحة وطرق محددة تساهم في تطويرها وبلورة أعمالها وصولاً الى مستويات مقبولة من التحديث والتطوير والمساهة الفاعلة في الدخل الوطني ! ، ما ذكر يقودنا الى تأسيس أجهزة تخطيط إقتصادية على مستوى موثوق به تواكب الطموحات والثروات والميز النسبية التي يزخر بها الوطن بغرض تحديد هوية الوطن التنموية بكل وضوح بناءاً عليها ، وكيف يمكن إدارة الصناعات القادمة أو المجالات الخدمية الأخرى واستثمارها.. وتعريض تلك الخطط والدراسات الى المزيد من الفحص والإختبار قبل الإقدام على ممارسة العمل وبما يتواكب مع منظومة الموصلات البنى التحيتة المزمع إنشائها لتحاشي التخبط والعمل العشوائي !!لا زلنا لا نعلم هل نحن بلد صناعي وأي نوع من الصناعة أو زراعي متخبط وفوضوي ويديره بيوقراطيون متهالكون ، أم بلد سياحي لا زال لم يستطع استثمار من يفد الى الوطن بما يعود عليه بالنفع أم خدمي أم خليط من الجميع ليس بينهم أي رابط أو تنسيق !!
مشاركة جميلة بارك الله فيك إستاذي...
كلام جميل .
لي ملاحظتان سريعتان على الفقرة الأخيرة من المقال... 1) يبدو أن هناك خلط بين مصطلح المزايا النسبية (الذي يعتمد على رخص مدخلات الصناعة من المواد الخام أساساً) ومصطلح المزايا التنافسية (الذي يستند إلى كفاءة الإدارة والتسويق والتمويل)!!.. ففي عصر العمولة ومنظمة التجارة العالمية ىجب تعزيز المزايا التنافسية كونها هي المستدامة على حساب المزايا النسبية كون الأخيرة قصيرة العمر ولا تشكل أساساً إسترتيجياً في الصدرات ذات القيمة المضافة الحقيقية.. 2) الصناعات ذات الإستثمار (المال) الكثيف تتصفُ بميزتين أثنتين على الأقل: أ) التقنية والمكننة العالية.. ب) توفر فرص عمل أقل (اقل من فرصة عمل واحدة لكل مليون ريال إستثماري) من تلك الي تستخدم تقنية ومكننة أقل (3 فرص عمل فأكثر)!!! ... فالصفة الأولي تعني جلب المزيد من الأجانب والثانية تعني شدة التزاحم على فرص العمل القليلة!!!!... والصفتان ضد هدف توطين الوظائف وتوفيرها أمام المواطنين الذين يدخلون سوق العمل سنوياً ويبحثون عنه !!!!! والله المستعان..
ذلك يستدعي الى دعم الكفاءات في الهيئة الملكية وتطويرها ومزيد من الحوافز خاصة للتخصصات الفنية والهندسية والخروج من وتيرة البيروقراطية في للتعامل مع المشاريع الاساسية .
النضره المستقبليه القريبه والبعيده مشكور