تم حديثا تطوير فتدشين حي حراء الثقافي المقام في سفح جبل حراء في مكة المكرمة. ويضم "حي حراء الثقافي" متاحف ومعارض تسهم في إكساب الزوار معرفة دينية وتاريخية وثقافية، الحدث يفتح الباب للتوسع في رعاية المواقع التاريخية، واستثمار ميزاتها. والبلاد بحمد الله تمر بتطور غير مسبوق. وقد أنعم الله على هذه البلاد بمواقع لها تاريخ لا ينسى. والفرصة قوية لاستغلال هذه المواقع بما فيه نفع للإسلام والعباد والبلاد. والكلام يشمل مواقع أعم وأشمل من المواقع القريبة من الحرمين الشريفين، مع الأمر بفريضة الحج، وردت كلمة "منافع" للتعظيم والتكثير والتنويع، أي أنواع من المنافع الدينية والدنيوية. وقد حملها جماهير المفسرين على المنافع الدينية والدنيوية معا، قال الله تعالى: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير"، الآية 27 من سورة الحج. وقال تعالى: "ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين"، 198 من سورة البقرة، وروى البخاري عن ابن عباس قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية، فتأثموا أن يتجروا في المواسم، فسألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فنزلت الآية. الإخلاص شرط في جميع العبادات، إلا أنه لا حرج على الإنسان أن يبتغي فضلا من الله بالتجارة، وهو قاصد مثلا الحرمين الشريفين أو حتى غيرهما، وإنما الذي يخل بالإخلاص ألا يكون له قصد إلا الاتجار والتكسب.
من عناصر التوسع اختيار أراض قريبة من الحرمين لإقامة مدن صناعية تبنى فيها المصانع والورش التي تنتج المصنوعات الحرفية ونحوها المشهورة أو التي يتميز بها كل بلد إسلامي. وربما يخصص لكل دولة عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي مساحة، وتوضع ترتيبات ومعايير تفصيلية. ومعروف شدة اهتمام الحجاج والمعتمرين والزائرين بشراء هدايا من الديار المقدسة. ولكنه يبدو في الوقت الحاضر أن معظم الهدايا، بل معظم السلع التي يحتاجها الناس مستوردة، كما ينبغي أن تقام معاهد تدريبية للتدريب على هذه الحرف، يتعلم منها أبناء أم القرى وغيرهم حرفا ومصنوعات شعبية لدى الآخرين، بما يؤهلهم لشغل جزء معتبر من الوظائف المهنية في المدن الصناعية المقترحة، التي قد تسمى "مدن صناعات العالم الإسلامي"، أو نحو ذلك من التسميات، وخلاف الصناعة ومدنها، من المهم استثمار المواقع والطرق التاريخية. منذ القدم تعد الطرق المؤدية إلى الحرمين الشريفين بيئة استثمارية رئيسة. فعلى هذه الطرق تكثر المحال التي تقدم مختلف أشكال الخدمات للمسافرين والزائرين. كانت موجودة قبل الإسلام. وفي ظل الإسلام وعبر القرون تعززت المكانة. ولكن تبقى الفرص واسعة في وقتنا مع التطورات الصناعية والتقنية.
هناك فرص كبيرة للاستفادة من تجربة حي حراء الثقافي، عبر التوسع في أماكن تاريخية في الجزيرة العربية، وإعادة إحيائها مع تطويرها وفتح باب الاستثمار فيها صناعيا وغير صناعي. وهذا التوسع يسهم في جهود نشر الإسلام والتعريف بأحداث تاريخية بالغة الأهمية، ويسهم في التنمية والتنويع مع تعميق مصادر الدخل، وتعزيز السياحة والثقافة والصناعة والتجارة والموارد البشرية في البلاد، وكما ذكر زميلنا الدكتور محمد آل عباس في مقاله السبت الماضي تحت عنوان "إكسبو الرياض.. تتحقق الأهداف قبل الموعد" ذكر أن هذا لم يكن ليحدث إلا مع دولة عظيمة يثق بها العالم، أقول الفرصة أيضا جدا متاحة للتوسع الاستثماري عبر استغلال فرص تتيحها الأماكن والوقائع التاريخية بما يسهم في توفير دخل كبير معتبر، وتوليد فرص وظائف، وإكساب مهارات وثقافة. وفوق كل ذلك التعريف بديننا الإسلامي وما وقع خصوصا في عصر صدر الإسلام الذي بدأ من بعثة رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم-. ومن أشهر الوقائع التاريخية في وقت رسول الله الهجرة والبيعة ومعركة بدر وتبوك. وقبل الرسول وقعت طبعا وقائع كثيرة مشهورة، وبعضها نزلت فيه آيات.
نقلا عن الاقتصادية