علاوة مخاطرة السوق وتأثيرها في تقييم الأسهم (1-2)

28/07/2013 15
عبد السلام الدريبي

كنت قد ذكرت في مقال سابق نشرته قبل اكثر من شهر من الآن (السبب وراء تحقيق الأسواق العالمية قمم جديدة) أن السبب وراء تحقيق الأسواق العالمية لقمم جديدة هو إنخفاض معدل الفائدة الناتج عن التيسير الكمي الذي يقوم به البنك المركزي الامريكي والبنوك المركزية الاخرى حول العالم.

منذ ذلك الوقت حتى الآن استمرت الأسواق العالمية والأسواق الامريكية خاصة بتحقيق قمم جديدة:

السوق الامريكي (مؤشر الـS&P-500) ما زال يحقق قمم تاريخية جديدة، ففي يوم الإثنين الماضي حقق السوق قمة جديدة حيث وصل إلى 1695 نقطة. 

السوق السعودي وصل إلى أعلى مستوى له في 15 شهر حيث وصل إلى 7,806 نقطة يوم الإثنين الماضي.

وكنت قد ذكرت أيضاً أن إنحفاض معدل الفائدة أدى إلى التأثير على أربعة محاور وهذه المحاور الأربعة أدت إلى الإرتفاع الذي رأيناه في أسواق الأسهم العالمية وهذه المحاور هي:

1) مكرر ربح السوق 

2) عائد التوزيعات النقدية للسوق  

3) عائد الأرباح على السوق 

4) علاوة مخاطرة السوق

في هذا المقال سأتحدث بشكل مفصل عن المحور الرابع (علاوة مخاطرة السوق). سأبدأ بالتعريف عن مبدأ علاوة مخاطرة السوق ومن ثم سأتحدث عن تأثيرها على أسواق المال، ثم سأتحدث عنها ضمن نطاق الأسواق الامريكية ، وفي الختام ساتحدث عنها ضمن نطاق السوق السعودي.

ما هي علاوة مخاطرة السوق:

علاوة مخاطرة السوق (Market Risk Premium) هو أحد الأعمدة الأساسية لعلوم المالية والاستثمار ويستخدم كأداة أساسية في تقييم الأصول المالية.

هي عبارة عن العائد الذي يحصل عليه المستثمر في الأسهم مقابل المخاطر التي يتحملها باستثماره في الأسهم بدلا من الاستثمار في استثمارات خالية من المخاطر (السندات).

حسابيا هي عائد الأرباح لسوق الأسهم مطروح منه عائد السندات، فعلى سبيل المثال اذا كان عائد الأرباح للسوق 5% وعائد السندات 3% فإن علاوة مخاطرة السوق هي 2% (و هي تمثل 66.7% من عائد السندات).

كلما إنخفضت الأسهم ارتفع عائد أرباحها وبالتالي ترتفع علاوة مخاطرة السوق، فبناءً على المثال السابق إذا انخفض السوق  بنسبة 20% فان عائد الأرباح للسوق سيرتفع من 5% إلى 6.25% بالتالي فإن علاوة مخاطرة السوق سترتفع إلى 3.25%، وهذا يعني ان الاستثمار في السوق يعطي المستثمر عائد أعلى مقارنة بنسبة المخاطرة التي يتحملها عند الاستثمار فيه.

والعكس صحيح، فعندما ترتفع أسعار الأسهم فإنه نتيجة هذا الإرتفاع ينخفض عائد أرباحها وبالتالي تنخفض علاوة مخاطرة السوق.

تأثيرها على أسواق المال:

ينظر إلى علاوة مخاطرة السوق من زاويتين، الزاوية الأولى هي القيمة المطلقة لعلاوة مخاطرة السوق (وهي 4.5% للسوق السعودي) والزاوية الثانية هي قيمة علاوة مخاطرة السوق نسبة للاستثمار الخالي من المخاطر (و هوللسوق السعودي تمثل 188% من عائد السندات).

تارخيا كان متوسط عائد السندات للخمسين سنة الماضية 6.6%،  ومتوسط عائد السندات منذ عام 2000 هو 3.93% (4% تقريبا).

لذلك كان المستثمرون في السابق عندما يقومون بحساب علاوة مخاطرة السوق فإنهم يقومون بطرح عائد أرباح السوق من عائد السندات الذي كان مرتفعا في السابق، فبالتالي ينتج عن هذا قيمة مطلقة منخفضة لعلاوة مخاطرة السوق، وعند مقارنتها بعائد السندات فانها تكون منخفضة نسبيا.

على سبيل المثال في السابق عندما يكون مكرر السوق 15 مرة فإن عائد السوق يكون 6.67% ولنفترض ان عائد السندات كان 4%، فإن القيمة المطلقة لعلاوة المخاطرة تكون 2.67% فقط وهي تمثل 66% فقط من قيمة عائد السندات.

بالتالي عند إتخاذ القرار الاستثماري كان المستثمر يفضل ان تكون نسبة الأسهم في محفظته منخفضة ونسبة الاستثمار في الصكوك والسندات عالية.

وايضا بناء على هذا المتوسط العالي لعائد السندات كان المعيار الاستثماري المتعارف سابقا أنه عندما يكون مكرر أرباح السوق 20 مرة (اي أن العائد على السوق 5%) فإنه يعتبر مقيم بأعلى من قيمته العادلة وغير مجدي للاستثمار مقارنة بالسندات والصكوك.

في الوضع الحالي ونتيجة لإنخفاض العائد على السندات فإن المعادلة اختلفت. فنتيجة لإنخفاض العائد على السندات الذي يعتبر الآن عند مستويات دنيا تاريخا فإن: أولا القيمة المطلقة لعلاوة المخاطرة ارتفعت، وثانيا القيمة النسبية لعلاوة مخاطرة السوق ارتفعت أيضا وبشكل كبير جدا.

هذا الإرتفاع المطلق والإرتفاع النسبي أدى إلى تحول الاستثمار في الأسهم إلى استثمار جذاب، وخصوصا عند مقارنته بالخيارات الاستثمارية الأخرى.

ونتج عن ذلك أيضا تغير في المعيار الاستثماري المتعارف، فحاليا وعلى سبيل المثال عندما يصل مكرر أرباح السوق إلى 15 مرة (اي أن العائد على السوق 6.67%) وبما ان عائد السندات هو 2.5% حاليا فإن علاوة المخاطرة تكون 4.17% (6.67% العائد على السوق ننقص منها 2.5% عائد السندات) وهي تمثل 166% من قيمة عائد السندات، وهذه القيمة المطلقة لعلاوة المخاطرة (4.17%) تعتبر مرتفعة جداً، وأيضا القيمة النسبية لعلاوة المخاطرة (166%) تعتبر عالية جداً، مما يدل ان السوق ما زال رخيص وأن السوق ما زال مجدي للاستثمار.

نتيجة لذلك فإن انخفاض معدل الفائدة سيؤدي إلى مكررات أرباح عالية في أسواق المال العالمية، وهذا سيكون المعيار الاستثماري الجديد.

نتيجة لهذا المعيار الاستثماري الجديد رأينا خلال الثلاثة أشهر الماضية قمم جديدة للأسواق العالمية وأتوقع أن نستمر في رؤية قمم جديدة خلال الفترة القادمة.

مدى تقبل السوق للمعيار الاستثماري الجديد:

نتيجة للمعيار الاستثماري الجديد واجهت وستواجه أسواق الأسهم تقلبات حادة في نفس الوقت الذي تحقق فيه قمم جديدة.

فالمستثمرين الذين إعتادو على المعيار الاستثماري المتعارف القديم واعتادوا على أن يروا أسهم قطاع معين عند مكررات معينة (فلنقل مكرر 10 مرات) سيقومون ببيع أسهمهم عندما تصل لمكرر 13 مرة وعندما يبيع هؤلاء المستثمرين فإن السوق ينخفض.

ولكن نتيجة للمعيار الاستثماري الجديد فان المكرر العادل الجديد لهذا القطاع سيكون على سبيل المثال 15 مرة، بالتالي سيأتي مستثمرون أخرون ويقومون بشراء نفس الأسهم لانهم يعتقدون ان هذا السهم رخيص بناء على ان المكرر العادل لهم والمبني على المعيار الاستثماري الجديد وهو 15 مرة.

والنوع الثاني من المستثمرين هم في الغالب المؤسسات الاستثمارية والصناديق الحكومية الذين يتميزون بانهم مستثمرين طويلي الأمد.

ستستمر هذة التقلبات الحادة في السوق ختى يعتاد المستثمرون على هذا المعيار الاستثماري الجديد.

في الجزء الثاني من هذا المقال سأتحدث عن علاوة مخاطرة السوق ضمن نطاق السوق الأمريكي ومن ثم سأتحدث عنها ضمن نطاق السوق السعودي.

*هذا المقال ليس توصية للشراء أو البيع، وإنما هو تحليل للأسواق المالية، وإن أي تعامل في أي ورقة مالية يتخذه القارئ بناءً على هذا التحليل سواء كان كلياً أو جزئياً هو مسؤوليته الكاملة.