شهدت مصر عاصفة سياسية يوم ٣٠ يونيو، حيث خرج الملايين معترضين على سياسة النظام ومطالبين الجيش بالتدخل. وما هى إلا ساعات حتى تدخل الجيش معلنا بداية مرحلة انتقالية جديدة.
واختلف المحللون عما إذا كانت ثورة شعبية أم انقلابا عسكريا أم خليطا من هذا وذاك، مما أحدث جدلا كبيرا داخليا وخارجيا. وليس الهدف من المقال الدخول فى ذلك الجدل، بل التحدث عن ما هو آت على الصعيد الاقتصادى.
تزامنت هذه العاصفة مع انفراجة غير مبررة لعدد من الأزمات مثل البنزين والكهرباء، كما تلقت مصر بعدها بساعات حزمة من المساعدات والقروض الميسرة من السعودية والكويت والإمارات تبلغ ١٢ مليار دولار. وقد دفع ذلك البعض للاعتقاد بأن الأزمة الاقتصادية قد انتهت.
لكن واقع الاقتصاد المصرى أكثر تعقيدا من ذلك. فعلى الرغم من كونه اقتصادا متنوعا ولديه قدرة على التعافى إلا أنه يعانى من مشاكل هيكلية تراكمت على مدى عقود، حيث يعانى الاقتصاد من عجز مزمن فى الموازنة بسبب ترهل جهاز الدولة الإدارى وعدم فاعلية منظومة الدعم وارتفاع تكلفة الديون.
وقد زادت حدة هذه المشاكل خلال العام الماضى، كما صاحبها تضخم كبير مدفوعا بانخفاض قيمة الجنيه.
لذلك فإن الدعم الخليجى سيلعب دور المسكن، حيث سيعمل على توفير المواد البترولية الرئيسية وزيادة احتياطى النقد الأجنبى مما سيساعد على السيطرة على سعر الصرف، معطيا فرصة للاقتصاد للصمود حتى رجوع السياحة والاستثمارات لسابق عهدها.
لكن لا يمكن أن ينهى هذا الدعم الأزمة الاقتصادية والتى تحتاج عملية تحول اقتصادى شامل. ومن ناحية أخرى، هناك ثلاثة أسئلة تطرحها الأحداث الأخيرة:
أولا: هل ما حدث انقلاب أم ثورة؟
لو تم اعتبار ما حدث انقلابا عسكريا فإن احتمالية حدوث انقلاب عسكرى آخر أو ثورة شعبية أو أعمال عنف منظمة تكون مرتفعة بناء على تجارب الكثير من الدول التى شهدت انقلابات من قبل.
وهذا التصور من شأنه أن يزيد من مخاطر الاستثمار فى مصر ويدفع التصنيف الائتمانى لمزيد من التدهور مما يؤدى إلى إحجام الاستثمار والتمويل الأجنبى وسيحد من قدرة القطاع السياحى على التعافى.
وسيدفع ذلك مصر لزيادة الاعتماد على المال السياسى وإن تغيرت مصادره. وعلى الرغم من العرفان لكل من يدعم مصر إلا أن الاعتماد على المال السياسى له آثار سياسية سلبية.
كما أن هذا الدعم وحده لا يقضى على الأزمة الاقتصادية بل فقط يعطيها مسكنات تزيد من حدة الأزمة على المدى البعيد. أما إذا تم الاعتراف بأنها ثورة شعبية فهذا سيجعل تعافى الاقتصاد أسهل لكن درجة التعافى سترتبط بعوامل أخرى كما سيرد لاحقا.
ثانيا: من سيحكم مصر؟
قد يحكم مصر فلول نظام مبارك أو يحكم العسكر ولو من وراء حجاب أو يظهر نظام جديد يلبى مطالب الحراك الشعبى. فإن كان رجال مبارك، فذلك يعيدنا للدولة البوليسية وكبت الحريات والسيطرة على الاقتصاد من قبل مجموعة قليلة من رجال الأعمال المنتمين للنظام مما يجعل السوق أشبه ما تكون بسوق احتكارية وإن تزينت بسمات الأسواق الحرة ظاهريا.
من المرجح أن يبقى هذا النظام على كثير من موروثات نظام مبارك الاقتصادية فيزيد الدعم لكن تختفى العدالة الاجتماعية الحقيقية ويتزاوج المال بالسلطة من جديد.
وهذه السمات من شأنها تقليل المنافسة وتحجيم الأسواق وحجب الاستثمارات الخاصة على حساب المال السياسى والذى لا يؤدى إلى تنمية فعالة.
وذلك قد يدفع لحراك شعبى آخر، خاصة بعد أن عرف الناس الطريق للميادين.
أما إذا أفضى الوضع إلى وجود نظام جديد يحقق مطالب الناس ويقوده أصحاب الكفائة من ذوى الخبرة والشباب معا، فإن ذلك من شأنه استيعاب مطالب الناس وإعطاء ثقة للمؤسسات المالية والمستثمرين.
ثالثا: كيف سيكون الاقتصاد؟
قد يتبنى النظام الجديد توجها اشتراكيا أو رأسماليا أو مختلطا يجمع بين الاثنين. وهذا الأمر مهم جدا، فالخروج من وضع الاقتصاد الحرج يحتاج إلى عملية تحول تشمل إعادة هيكلة للجهاز الحكومى ومنظومة الدعم وميزانية الحكومة.
قد تحتاج هذه العملية فترة طويلة وسيكون لها تكلفة اجتماعية ومعارضة شعبية، لكن يمكن تنفيذها عن طريق عدة أساليب بناء على تحيزات النظام.
فإذا تبنى النظام توجها اشتراكيا فأخذ يرفع الضرائب ويفرض الكثير من العوائق على القطاع الخاص بينما يزيد من الدعم والرواتب، فإن ذلك سيؤدى إلى تصد كبير من القطاع الخاص لكن ربما يحصل على تأييد شعبى كبير، أما إذا تبنى النظام توجها رأسماليا فأخذ يخفض الدعم والرواتب بينما يزيد من محفزات القطاع الخاص.
فإن ذلك سيؤدى إلى معارضة شعبية واسعة بسبب اتساع الفجوة بين طبقات المجتمع مما قد يؤدى إلى سقوط النظام. أما إذا تبنى النظام تصورا متوازنا، فربما يستطيع النهوض بالاقتصاد مع استيعاب الأطراف المختلفة.
قد يظن المتابع للأحداث أن إجابات هذه الأسئلة واضحة، لكن سيولة الوضع وتسارع الأحداث تجعل من عدم الحكمة تصور وجود إجابات جازمة، حتى وإن كانت هناك بوادر لا يمكن تجاهلها.
ما نعرفه الآن هو أننا لا نعرف على وجه الدقة شكل النظام السياسى والاقتصادى الذى سيتبناه النظام الجديد ومن الواجب الإسراع فى حسم هذه القضايا المحورية.
نقلا عن جريدة الشروق