في أي عهد جديد تكون الحاجة ملحة للتغيير، وتتركز الأنظار على ما علق في الأداء الحكومي السابق من تراكمات سلبية.
وقد اتسم الأداء في السنوات الماضية بمعدلات نمو عالية نتيجة الارتفاع الكبير في ناتج القطاع الهيدروكربوني، وما ترتب عليه من تضاعف الإيرادات الحكومية، وحدوث تراكم في فوائض الموازين المالية سنة بعد أخرى.
وفي ظل تلك الظاهرة حدثت مزاحمة ملحوظة من القطاع العام للقطاع الخاص في ميادين كثيرة نذكر منها قطاع البنوك الوطنية، والقطاع الصناعي، وقطاع الاتصالات، إضافة إلى مساهمات حكومية متفرقة في شركات الكهرباء والماء ووقود والخليج الدولية وناقلات وغيرها.
وقد كان لتلك المزاحمة بعض الإيجابيات وخاصة في سنوات الأزمة المالية العالمية، إلا أنها أثرت سلباً على دور القطاع الخاص وقدرته على المبادأه أو القيام بمبادرات خلاقة لتنفيذ مشروعات جديدة، وبات جُل اهتمام الكثيرين منصباً على انتظار طرح الحكومة لأسهم جديدة يتم الاكتتاب فيها بأسعار مغرية.
وفي ظل تلك الأجواء تعطلت آلية الحوار البناء بين الحكومة والقطاع الخاص، واقتصرت في السنوات الأخيرة على لقاءات سنوية بين الجانبين بترتيب من غرفة التجارة.
وقد كانت تلك اللقاءات فرصة لقيادات القطاع الخاص كي تعبر للحكومة عما تعانيه من صعوبات وعراقيل في القيام بدورها المطلوب منها في تعزيز النمو الاقتصادي.
ولكن ورغم تعدد اللقاءات، ظلت كثير من المشاكل عالقة دون حلحلة ربما لاختلاف رؤى الطرفين بشأنها، أو لأن الغرفة لم تقم بالدور المطلوب منها في تسليط الضوء على المشاكل المتفاقمة.
وهكذا فإنه رغم ما تمتعت به قطر من فوائض مالية ضخمة في السنوات العشر الماضية، فإن البنية التحتية اللازمة لقطاع الأعمال ظلت ضعيفة ويشهد على ذلك تأخر انشاء المطار الجديد واعتماد الملاحة البحرية على موانئ الامارات، وضعف المناطق الصناعية، وعدم توافر المخازن اللازمة للشركات، وازدحام حركة السير، وتأخير توفير الكهرباء للوحدات السكنية او التجارية الجديدة، وبيروقراطية إجراءات التأسيس في كل أنواع المشروعات.
هذه المشاكل العالقة تحتاج من الوزارات المعنية وخاصة وزارة الاقتصاد والتجارة، ووزارة الطاقة والصناعة إلى تقييم سريع وشامل بما يساعد على تصحيح الأوضاع القائمة وتوفير الأسس اللازمة لانطلاقة جديدة على درب التنمية المستدامة.
الجدير بالذكر أن التوقعات الرسمية تتحدث عن تراجع نمو القطاع الهيدروكربوني هذا العام إلى أقل من 1%، مع تحقيقه نمو سالب في السنة التالية.
وقدبنت الخطة الاستراتيجية اعتمادها على القطاع الخاص للقيام بدور أكبر في تحقيق معدلات نمو مرتفعة للتعويض عن تراجع نمو القطاع الهيدروكربوني.
ولأن قطاع الأعمال يواجه مشاكل متعددة على نحو ما أشرنا أعلاه فإن قدرته على تحقيق معدلات النمو المطلوبة في السنوات القادمة قد لا تكون ممكنة أو منطقية.
ولأنه ثبت حتى الآن أن الندوات والمؤتمرات التي عقدتها الغرفة مع الحكومة لم تف بالغرض المطلوب منها على النحو المطلوب، إما لأن الغرفة لا تملك الأدوات والآليات التي تمكنها من تحويل الآراء والمقترحات إلى قرارات حكومية، أو ربما لأنها لا تمثل المنتسبين إليها تمثيلاً حقيقياً.
والنقطة الأخيرة تظهر واضحة جلية من عدم قدرة الغرفة على عقد اجتماع جمعيتها العمومية في الموعد الأول، بل إنها تعقده بمن حضر في الموعد الثاني.
وعليه فإن المعول في المرحلة القادمة أن تقوم الأجهزة الحكومية المعنية وخاصة في وزارة الاقتصاد والتجارة ووزارة الطاقة والصناعة بإنشاء مراكز أبحاث متخصصة للتواصل مع القطاع الخاص ورجال الأعمال لتلقي مقترحاتهم وليس شكواهم فقط، ودراستها، واتخاذ ما يلزم نحو تحقيق الصالح منها.