مشكلة تملك السكن التي بدأ العمل الجدي على حلها منذ أكثر من عامين وتحديدا بعد إنشاء وزارة الإسكان الخطوة الأبرز لأنها أقرنت بمجموعة كبيرة من القرارات الداعمة للوزارة ماديا ومعنويا وإشرافا وتنظيما من خلال حزمة صلاحيات أعطيت للوزارة كشفت عن ثغرات تنظيمية وإشكاليات عديدة شكلت مجتمعة مشكلة السكن ولكنها بذات الوقت أوضحت أن صناعة العقار غائبة لدينا وتعد عبئا اقتصاديا بسبب عدم التنظيم بجوانب عديدة ترتبط بآليات عمل السوق.
ولا يمكن اعتبار أي خلل أو قصور أو مشكلة بأنه عامل وحيد رئيسي بالمشكلة فقد كشفت الدراسات المرتبطة بدخل الأسر السعودية أن ستين بالمئة دخلها أقل من 8500 ريال وهو رقم متواضع ليس فقط بعدم القدرة على تملك السكن بل بمدى ضعف إمكانياتها على تلبية احتياجاتها المتعددة وتكاليف الحياة التي ترتفع بمقدار لا يتناسب مع تطورات دخل الأسر مما يتطلب معالجات هيكلية للدخل ورفعه وفق معايير اقتصادية يرتفع معها تنوع إيرادات الخزينة العامة بما يكفل عدم تأثير أسعار النفط على تغطيتها مستقبلا مهما تنامى دخلها.
كما أن ارتفاع أسعار العقار ووصول معدل سعره لما يفوق دخل الموظف بعشر سنوات أوضح عدم انضباطية معايير الاستثمار العقاري وأن الأسعار تتحرك عشوائيا وليس بناء على تقديرات تأخذ بالاعتبار حالة السوق من كل الجهات فهناك طلب كبير ولكن القدرة على زيادة العرض تعطلت لأسباب عديدة منها تأخر صدور أنظمة الرهن والتمويل العقاري التي عطلت التطوير وأضعفت دور شركات التطوير القادرة على تنمية المعروض نتيجة عقبات كثيرة كالتمويل والضمانات وغيرها مما سمح بارتفاع دور المطور الصغير الذي ساهم برفع الأسعار لأن التكاليف عليه تتغير ارتفاعا دائما لمحدودية إمكانياته.
أضف لذلك شح الأراضي بسبب الاحتكار لها كونه لا يوجد أي تكاليف عليها كالزكاة أو الضرائب أو الرسوم نظير الخدمات التي تؤسسها الحكومة وتصل لكل الأراضي الواقعة ضمن النطاق العمراني بينما تبقى الأراضي بيضاء لسنوات طويلة مما سمح بوجود مساحات كبيرة خالية بالمدن شوهت منظرها العمراني.
بل وبرز دور مضاربي كبير بسبب عدم وجود أي تكاليف على نقل الملكيات للأراضي واكتشف مؤخرا أن بعض الصفقات وهمية الطابع هدفها التشويش على السوق بأن هناك طلب وأن الأسعار في ارتفاع بعد أن وصل الكثير منها لحد الفقاعة وما يدلل على ذلك ارتفاع نسبة تأثير الأرض بتكاليف السكن لأكثر من النصف وهو ما يزيد بكثير عن المعيار العالمي إذ لا يجب أن تتعدى هذه النسبة 25% بأي حال مع ضعف بحركة البيع الحقيقية كما سمعنا عن مزادات لمخططات مطورة فشلت بسبب الأسعار الملتهبة فلو تم وضع رسوم على نقل أي ملكية فستنتهي معه مثل هذه الممارسات لأن التكاليف سترتفع مع ضرورة تطبيق أنظمة إضافية تمنع التلاعب والتأثير على الأسعار.
كما أن هذا الملف المهم جدا كشف عن تأثيرات مفتعلة من رفع الأسعار على التضخم مما رفع تكاليف المعيشة وفاتورة حل مشكلة التضخم والتصدي له فهل فكر من يضارب لرفع أسعار العقار بأنه يحمل خزينة الدولة مليارات سنويا لمكافحة التضخم كلها خسائر اقتصادية لو تم إحصاؤها بدقة لكشفت عن عشرات المليارات أهدرت وفقدت من النمو والتنمية الاقتصادية بسبب الطمع وبسبب غياب الأنظمة الرادعة لهذه الممارسات الضارة.
كما أن تعطل حركة التطوير العقاري أعاق التنمية وبناء قطاع عقاري قوي يفتح عشرات الآلاف من فرص العمل والاستثمار بالاقتصاد فتوقف نمو المعروض بسبب احتكار الأراضي لسنوات طويلة ما هو إلا تعطيل للتنمية وما يخلفه ذلك من أضرار اقتصادية ضخمة كما أن بيروقراطية الأنظمة كان ومازال لها الأثر في إعاقة التطوير العقاري فالانتهاء من التراخيص المطلوبة يأخذ سنوات أحيانا كما أن بعض الأمانات بالمدن تضع اشتراطات معقدة وتغيرها بين فترة وأخرى لشروط أصعب من سابقتها فإحدى الأمانات تضع شرطا لنوعية البلاط المطلوب للأرصفة لا يوجد أي مصنع بالمملكة يصنعها وفق الاشتراطات الجديدة فكم تتعطل الاستثمارات ومن الخاسر لمثل هذه الإجراءات؟ ألا يجب توحيد الشروط والمتطلبات بكل الأمانات وأن تتجه للتيسير وليس التعقيد.
وليس أقل من كل ما ذكر غياب الرؤية الواضحة من وزارة الإسكان نفسها ففي بداية عملها لم تلقِ بالا للتعاون مع القطاع الخاص لتسريع آليات التطوير العقاري بينما نجدها قد غيرت رأيها قبل أشهر بأنها ستتعاون مع القطاع الخاص ونعني به شركات التطوير فكيف ستحول القطاع العقاري لصناعة حقيقية إذا لم تبنِ قطاعا خاصا قويا وتبقى الوزارة جهة إشرافية تنظيمية داعمة للقطاع وحتى هذه اللحظة لم نسمع عن الطريقة التي سيتم بها التعاون مع شركات التطوير الخاصة بل فقط تصريحات عن نية التعاون رغم أن الطرق معروفة عالميا ولا تحتاج إلى اختراع العجلة من جديد.
ويبقى لقطاع التمويل الدور الأكثر غيابا عن مفهوم المساهمة بتنشيط التطوير العقاري ونمو المعروض السكني فدوره يعد ركيزة كبرى بالتنمية العقارية ومازال غائبا عن تقديم منتجات وتعزيز دور الشراكة الاقتصادية الفاعلة بهذا القطاع بل هو طرف يعد ضاغطا على التكاليف سواء المطور أو المستفيد النهائي وإذا كان مبدأ الحماية من المخاطر عذرا منطقيا لكن ابتكار المنتجات والثقة بأن دور الشراكة مع كل الأطراف هو السبيل الوحيد لتعزيز التنمية العقارية بالاقتصاد مما يتيح له بالتوسع وزيادة النشاط والأرباح يبقى الحل الوحيد بدلا من بقائه بدور تقليدي لن يخدم أي طرف بالسوق ولن يساهم بعكس رؤية الحكومة نحو بناء قطاع عقاري قوي يخدم كافة جوانب الاقتصاد والمجتمع.
إن ملف السكن يعد الأكبر بالاقتصاد المحلي من حيث التحديات وكذلك فتح الباب لتعزيز التنمية ويتضح من خلاله الكثير من الجوانب المعيقة للنمو الاقتصادي وتحدياته ومتطلباته ومستويات الإنفاق والهدر المالي وعدم تطور دور المستهلك بالاقتصاد عن مستويات معينة وكذلك إمكانية تنويع مصادر دخل الخزينة وتعطيل الاستفادة من البنى التحتية بسبب احتكار الأراضي كبيضاء لسنوات طويلة وكذلك عدم تنظيم تدفقات السيولة بما يمنع تأثيرها برفع معدلات التضخم وما يترتب عليه من أضرار والكثير من الإشكاليات التي بحلها ستتحول لإيجابيات لا يمكن حصر فوائدها.
وكل عام وأنتم بخير.
نقلا عن جريدة الجزيرة
good article
الاسكان مهمتها توفير سكن اقتصادي لغير القادرين اي شقق صغيرة الحجم بتشطيب متوسط لا تزيد تكلفتها بناء مع الخدمات عن 200 الف بعد تقديم الارض والمخططات لمطورين عقاريين من الخارج ممن لهم سابقة في هذا المجال. اما من يرغب في فيلا او تاون هاوس فعليه الاعتماد على نفسه.
هذا تفسيرك الخاص. الإسكان عليه توفير السكن لجميع المواطنين القادر وغير القادر لأن هذا حقهم.
طالما قادر فقد اخذ نصيبه من خير البلد ويستطيع ان يوفر لنفسه سكن.
رمضان كريم
التوزيع العادل للثروة, خلل في الاستثمار الامثل للدخل الدولة وسوء او نعدام النخطيط , هذا مشاكل متاصلة في بنيه الدولة.
المشكلة حلها سهل جداً وقد عرضت الحلول وأعيد عرضها لسنوات ولكن المشكلة ليست في الحلول بل في المتنفذين الذين لايريدون ان تطبق هذه الحلول ويضعون أمامها كل العراقيل .... بلد يدار كشركة عائلية !