... وماذا عن تباطؤ النمو في الاقتصادات النامية؟

27/06/2013 0
عامر ذياب التميمي

هل مكّن الاجتماع الذي عقده قادة الدول الثماني الكبرى في العالم في 17 و18 حزيران (يونيو) الجاري لمناقشة الأوضاع الاقتصادية الراهنة إلى جانب قضايا سياسية، من تطوير خريطة طريق للخروج من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية التي هيمنت على العالم منذ نهاية 2008؟ لا شك في أن القادة تطرقوا إلى مسائل مهمة مثل قضية التهرب الضريبي ووجود ثغرات قانونية وملاذات ضريبية آمنة تمكّن رجال أعمال وأصحاب ثروات كثيرين من عدم تسديد ضرائب.

واضح أن ثمة ضرورة لتعديل تشريعات وتطويرها في البلدان الرئيسة وغيرها لمواجهة هذه العمليات التي تفقد خزائن الحكومات إيرادات ضريبية كبيرة، فيما تعاني البلدان من حالات عجز قياسية في موازناتها العامة.

وليس التحدي هيناً ويتطلب جهوداً من القانونيين وتجاوباً من المؤسسات التشريعية لوضع أنظمة ضريبية محكمة. 

وثمة مقاومة لدى الأحزاب والقوى السياسية، حتى في البلدان الرئيسة، للمطالبات بالإصلاح الضريبي.

ولا يتوقف الإصلاح الضريبي عند التهرب بل ثمة من يطالب بزيادة الضرائب على الأثرياء وتحسين الإيرادات لمواجهة متطلبات الإنفاق فيما تطالب أحزاب رئيسة بمعالجة عبر الحد من الإنفاق، خصوصاً في ما يتعلق بالأعباء الاجتماعية، ما يثير احتجاجات اجتماعية وسياسية.

ولا تزال المشاكل الاقتصادية قائمة وهي تواجه قادة هذه الدول دائماً. ومن أهم هذه المشاكل استمرار أزمة الديون السيادية في أوروبا، إذ أصبحت بلدان منطقة اليورو تعاني ركوداً شبه مزمن.

وتشير بيانات الإنتاج الصناعي في الصين إلى تراجع النمو، فيما يواصل عجز الميزان التجاري لليابان التوسع.

وإذا كانت الولايات المتحدة بدأت تحقيق انتعاش نسبي في النشاط الاقتصادي فهذا الانتعاش معرض للانتكاس بفعل ما يحيق بقضايا الإنفاق وعجز الحزبين، الديموقراطي والجمهوري، من الإنفاق على إصلاحات مالية طويلة الأجل.

وهكذا، يتضح بأن اقتصادات البلدان الصناعية تمر بفترة عصيبة، على رغم البوادر المحددة للانتعاش، وبما يعزز أهمية التوافق الدولي على المسائل الرئيسة.

ولا يمكن أن تحقق الصين أو اليابان نمواً في اقتصاداتها من دون تمكن الأوروبيين من معالجة الديون السيادية والعودة إلى سياسات مالية تمكّن من تعزيز الانتعاش في بلدان اليورو وغيرها من بلدان الاتحاد الأوروبي. وعندما ترتفع مستويات البطالة في بلدان الاتحاد الأوروبي إلى أعلى من حاجز 12 في المئة، يتضح أن ثمة خللاً مهماً يستدعي علاجاً.

ولا يمكن تحقيق نمو فاعل في أوروبا من دون تحسين الأوضاع المعيشية للمستهلكين وإيجاد فرص عمل ملائمة يمكن أن تستوعب ملايين العاطلين من العمل، أو المتدفقين الجدد إلى سوق العمل.

لكن هل واجه المؤتمرون مسائل النمو في البلدان النامية؟ هذه البلدان أصبحت تمثل قلقاً لقادة البلدان الصناعية، فالفقر وتراجع الأداء الاقتصادي وتضاؤل فرص النمو وتزايد معدلات البطالة عوامل تدفع الملايين من سكان العالم الثالث إلى الهجرة إلى الشمال بحثاً عن الرزق.

ولذلك أصبحت قضايا الهجرة من المواضيع الحيوية التي تواجهها الحكومات في الاقتصادات الرئيسة ويتجادل حولها المشرعون في مجالسها النيابية.

وعندما يختلط الإرهاب بالهجرة، تتبنى بلدان الشمال مواقف وسياسات محافظة ومعادية للمهاجرين.

وطرح قادة كثيرون في الدول الصناعية خلال السنوات الماضية أهمية تبني برامج تنموية وتقديم تمويلات ميسرة وتشجيع الاستثمارات المباشرة في البلدان النامية لتمكين هذه البلدان من إيجاد فرص عمل وتحسين الظروف المعيشية بما يوقف الهجرات إلى الشمال.

وإذا كانت بلدان آسيوية مثل كوريا الجنوبية وماليزيا وإندونيسيا، تمكنت من تطوير آلياتها الاقتصادية في شكل واضح بما دفع المواطنين في هذه البلدان إلى الاستقرار في أوطانهم، لا تزال دول كثيرة في تلك القارة بعيدة من تحقيق متطلبات النمو والازدهار ومنها سريلانكا وباكستان والفيليبين وبنغلادش والهند، وهي من البلدان المصدّرة للعمال والمعتمدة على تحويلاتهم مصدراً مهماً للإيرادات السيادية.

أما أفريقيا فلا تزال أوضاعها بعيدة عن إمكانيات وقف الهجرة الشرعية وغير الشرعية إلى البلدان الأوروبية. كذلك هي الحال في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي أصبحت تواجه مشاكل التغيير السياسي وانخفاض مستويات الأمن وتوقف تدفق الإيرادات السيادية.

مطلوب وضع إستراتيجيات واضحة لمعالجة الاختلالات والعيوب في الأنظمة المالية التي أدت إلى حدوث الأزمة المالية عام 2008، وتطوير الأنظمة المصرفية لتأمين التمويل للنشاطات الاقتصادية الملائمة وذات الجدوى والمتمتعة بالجدارة.

كذلك يجب تطويع السياسات النقدية في هذه البلدان لتعزيز الانتعاش في النشاطات الحيوية. ولا بد من تسهيل التبادل التجاري بين البلدان ووضع حد للأنظمة الحمائية التي تعيق تدفق السلع والمنتجات بما يمكّن البلدان النامية من تطوير قدراتها التصديرية إلى البلدان الشمالية في أوروبا أو أميركا الشمالية.

يضاف أن العناية بدول العالم الثالث باتت مهمة أساسية للاقتصادات الرئيسة، ليس فقط من الجانب الأخلاقي لكن من أجل تحقيق نمو اقتصادي على المستوى العالمي ووقف الهجرات العشوائية.

ولا بد من تفعيل ما اتُّفق عليه في قمم الثماني السابقة أو قمم العشرين، كالدعوات إلى تأمين الأموال اللازمة لتوظيفها في استثمارات وأعمال البنية التحتية في العديد من البلدان الفقيرة والنامية.

ولا يمكن قادة الدول الثماني أن يحققوا إنجازات تُذكَر في السنوات المقبلة من دون بذل جهود لإصلاح القضايا المالية والمصرفية في بلدانهم وفي الوقت ذاته الانتباه بجدية إلى ما يدور خارج النطاقات الجغرافية لبلدانهم.

نقلا عن جريدة الحياة