ينبغي إلزام جميع المدارس والمعاهد والجامعات الخليجية بتدريس مادة خاصة بالعلوم الصحية، وكذلك فرض حصص التدريب والتأهيل الرياضي على جميع الطلبة والطالبات.
في تقريرها الأخير، حذرت منظمة الصحة العالمية من تحول مرض السكري إلى وباء نتيجة ارتفاع عدد المصابين في العالم من 285 مليون نسمة في عام 2012 إلى 438 مليوناً بحلول عام 2030، ليأتي هذا الداء من بين 4 أمراض مسؤولة عن 50% من الوفيات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأكدت المنظمة أن هناك 6 دول في المنطقة، وهي مصر والبحرين والكويت وعمان والسعودية والإمارات، من بين أكثر 10 دول في العالم من حيث ارتفاع معدلات الإصابة بمرض السكري، وذلك بسبب التغيير الحاد في أنماط الحياة في مجتمعاتها وزيادة الوزن بين شعوبها وتراجع الوعي بعلاقة الصحة بالرياضة، التى شكلت جميعها 55% من أسباب ارتفاع نسبة الإصابة بالمرض.
وكشف التقرير أن السعودية تأتي في المرتبة الثالثة بين دول العالم في معدلات السُمنة وزيادة الوزن بنسبة 38% لدى الرجال و44% لدى النساء، وأن 28% من سكان المملكة مصابون بالسكري و26% من المجتمع السعودي يعاني من ارتفاع ضغط الدم و19% من ارتفاع نسبة الكولسترول.
هنالك نوعان من الأمراض المؤثرة سلباً على الاقتصاد: الأمراض الأكثر شيوعاً مثل الملاريا والتهاب الكبد والتيفوئيد والكوليرا، والأمراض الأكثر انتشاراً مثل السكري وتصلب الشرايين والسرطان والجلطة الدماغية والالتهاب الرئوي.
نتيجة لهذه الأمراض، فاقت الخسائر البشرية في العالم خلال العام الماضي أكثر من 45 مليون نسمة، حيث استحوذ مرض السكري على 20% منها.
ومن المتوقع خلال العقد القادم أن يكون لدى كل أسرة خليجية في المتوسط مريض واحد أو أكثر من المصابين بداء السكري، لترتفع نفقات رعايتهم وعلاج مضاعفات مرضهم إلى أكثر من 13 مليار دولار أميركي سنوياً، تعادل حوالي 22% من إجمالي ميزانيات الرعاية الصحية الخليجية.
المنظمة توقعت أيضاً أن ترتفع فاتورة الخسائر الاقتصادية العالمية للأمراض الأكثر انتشاراً وشيوعاً خلال العقد القادم إلى حوالي 23 تريليون دولار، لتساوي نصف خسائر الأزمة المالية الخانقة التي لحقت بالعالم في عام 2008، و12 ضعف قيمة التجارة العالمية السنوية.
وأضاف تقرير المنظمة أن إجمالي النفقات العالمية على مرض السكري ومضاعفاته فاق 376 مليار دولار أميركي في عام 2011، وقد يرتفع إلى 561 مليار دولار على الأقل في عام 2030، ليصبح نصيب المريض الواحد في المتوسط على مستوى العالم حوالي 703 دولارات أميركية.
وأوضح التقرير أن الدول الأغنى اقتصادياً، التي يعيش فيها 30% من إجمالي مرضى السكري في العالم، تستأثر بأكثر من 80% من حجم الإنفاق العالمي على علاجه، بينما لا تزيد نسبة الإنفاق عن 20% في الدول النامية والفقيرة التي يقطنها 70% من الإجمالي العالمي للمصابين بالمرض.
ففي عام 2011 كان نصيب أميركا يفوق 53% من إجمالي الإنفاق العالمي على مرض السكري، تليها أوروبا بنسبة 26% ثم الصين وروسيا بنسبة 11% وأفريقيا بنسبة 5% ، في حين لم يتعد نصيب الهند أكثر من 1% ،علماً بأنها تحتوي على أعلى عدد من المصابين بالسكري.
ومن المتوقع أن يصل متوسط الإنفاق السنوي لكل مصاب بمرض السكري خلال العام الجاري إلى 7383 دولارا في أميركا، و5087 دولارا في أوروبا، و1112 دولارا في دول الخليج العربية، و743 دولارا في جنوب أميركا، وأقل من 10 دولارات في الدول الأفريقية.
هذا الحجم الضخم من الإنفاق المادي على داء السكري يصاحبه أيضاً أعباء اقتصادية أخرى ناتجة عن مضاعفات المرض وتأثيراته الاجتماعية التي تتمثل في تراجع الإنتاجية وانخفاض الكفاءة بسبب ارتفاع عدد الوفيات والإعاقة الدائمة، لذا من المتوقع أن يبلغ صافي الخسائر من الدخل القومي بسبب داء السكري ومضاعفاته خلال العقد القادم557 مليار دولار في الصين، و303 مليارات دولار في روسيا، و236 مليار دولار في الهند، و79 مليار دولار في الدول الخليجية، و49 مليار دولار في البرازيل، و3 مليارات دولار في تنزانيا.
في ضوء هذه الإحصائيات المقلقة وحماية لمستقبل أجيالنا، يتحتم علينا البدء فوراً في اتخاذ الخطوات العملية الصارمة للحد من تفاقم هذا المرض في الدول الخليجية من خلال:
أولاً: توظيف الإعلام والإعلان الرسمي لنشر الوعي الصحي والثقافة الغذائية بين كافة فئات المجتمع، مع فرض البطاقات اللاصقة على الأغذية للتعريف بمحتوياتها وسعراتها الحرارية.
ثانياً:إلزام جميع المدارس والمعاهد والجامعات الخليجية بتدريس مادة خاصة بالعلوم الصحية، وفرض حصص التدريب والتأهيل الرياضي على كافة الطلبة والطالبات، مع الأخذ بضرورة نشر روح التربية البدنية والمنافسات الرياضية.
ثالثاً:إنشاء مراكز أبحاث مرض السكري في الجامعات والمعاهد الصحية، والعمل على تمويلها بسخاء من ميزانيات الدول الخليجية، ومنح الجوائز المالية والتقديرية لكل من يتوصل إلى وسيلة من وسائل العلاج الأفضل والتشخيص المبكر الأمثل للداء.
رابعاً:بناء مراكز الرعاية الصحية المتكاملة لمعالجة المشكلة القائمة، وتوفير الأساليب الحديثة للعلاج، وتخفيض نسب الإصابة بالمضاعفات، وتسخير فرق الإرشاد الصحي والاستشارات الطبية، وربط المعلومات عبر وسائل التواصل الإلكتروني لمراقبة حالات المرضى المزمنة.
خامساً:تكوين فرق وجمعيات مرضى السكري، ووضع برامج رحلات علاجية لهم، وحثهم على التواصل مع الفرق العالمية المماثلة لتبادل المعلومات وتفادي الأزمات.
هذه الخطوات، مهماً ارتفعت تكاليفها في الدول الخليجية، فلن تزيد عن تكاليف خسائرنا الفادحة في الأرواح،وتكاليفنا الباهظة التي تكبد الاقتصاد بنسب فاقت كل التوقعات العالمية.
نقلا عن جريدة الوطن