وقفة مع تنامي ظاهرة البطالة بين أبناء المقيمين

02/06/2013 1
بشير يوسف الكحلوت

البطالة من أكثر الظواهر الاجتماعية (والاقتصادية)  المقلقة في دول العالم  وتسعى معظم الحكومات جاهدة للحد منها والسيطرة عليها باستخدام كافة الوسائل  المتاحة، وفي مقدمة ذلك  تشجيع الاستثمارات المحلية وتبسيط الإجراءات الحكومية لإنشاء المشروعات المختلفة، والعمل على خلق فرص عمل للعاطلين.

إضافة إلى بذل الجهود لضبط معدل التضخم؛  باعتبار أن انفلاته يزيد من تكلفة إقامة المشروعات من ناحية، ويزيد من معاناة العاطلين عن العمل من ناحية أخرى.

وفي قطر تبذل الحكومة جهوداً مشكورة لتذليل كل العقبات من أجل تيسير حصول الباحثين عن عمل مناسب  سواء في الدوائر الحكومية أو في الشركات العامة أو الخاصة.

وهي لذلك تتوسع في إقامة المشروعات، وتسن القوانين والتشريعات المنظمة لهذه الجهود، وتقيم المعارض السنوية للتشغيل ،كي يلتقي مديرو الأعمال مع الخريجين والباحثين عن عمل.

ومن أجل ذلك يمكن القول بأنه لا توجد بطالة بين القطريين والقطريات،،، وإذا وُجدت فئة عاطلة  عن العمل، فلأنها تتطلع إلى وظائف أفضل.

ومع ذلك فإن هناك بطالة حقيقية في قطر تزداد سنة بعد أخرى بزبادة عدد السكان، وليست هنالك أية إحصاءات رسمية لعدد العاطلين عن العمل والباحثين عنه من بين غير القطريين.

فالمعروف أن غير القطري إما أن يكون زائراً أو مقيماً، فإذا كان زائراً لا يكون من حقه العمل في قطر أو حتى البحث عن عمل لمخالفته القوانين المنظمة لصدور تأشيرة الزيارة.

ومع ذلك هنالك الكثير من الزائرين الذين جاءوا للبحث عن فرصة عمل بسبب الظروف المعيشية القاسية في بلدانهم أو بسبب الإضطرابات السياسية المستجدة فيها.

ويبدو أن هؤلاء باتوا يشكلون أعداداً ليست بالقليلة  رغم أن الرقم الرسمي الذي يصدره جهاز الإحصاء كل شهر لا يشملهم، ولكن آثار الزيادة في أعدادهم تظهر واضحة جلية في اشتداد الزحام في حركة المرور، وارتفاع إيجارات المساكن ومن ثم  ارتفاع معدل التضخم.

وهناك فئة أخرى من العاطلين عن العمل تتمثل في أبناء المقيمين الذين ربما وُلد أكثرهم في قطر وعاشوا وتعلموا فيها، ولم تسمح الظروف السياسية والاقتصادية في بلدانهم الإصلية بالعودة إليها،،، هؤلاء يواجهون مشكلة بطالة حقيقية لا يمكن تجاهلها لأن تركها  يؤدي إلى تفاقمها واستفحالها مع الزمن.

فالخريج المقيم الذي يبحث عن عمل يستطيع الانتظار لسنوات اعتماداً  على دعم إسرته له من حيث السكن وتكلفة المعيشة، ولكن الصورة ستتغير حتماً إذا انقضى جيل الآباء ووجد الأبناء أنفسهم في مواجهة قاسية مع متطلبات الحياة وأولها تأمين السكن،،، فضلاً عن الرسوم الحكومية للإقامة والعلاج  والمرور وخلافه.

أعرف من حولي العشرات من هذه الفئة التي تجد الأبواب مؤصدة في وجهها ،،،،،، بعضهم أطباء أكملوا فترة الإمتياز في مستشفى حمد وجلسوا بدون عمل، وبعضهم مهندسون من مختلف التخصصات، والبعض الآخر محاسبون أو ماليون.

قال لي أحد الآباء بحسرة إن أبنائي الأربعة تخرجوا من الجامعات وهم بدون عمل، وقال آخر بأن ابنه حاصل على ماجستير في البنوك الإسلامية ولا يجد عملاً في بلد يعج بالبنوك الإسلامية.

وأعرف في المسجد أخوين لديهما مؤهل هندسة إلكترونية، وشهادات تدريب كثيرة ويبحثان عن عمل مناسب منذ سنوات.

 وجزء من المشكلة يتمثل في مستويات الأجور التي يعرضها القطاع الخاص  والتي باتت لا تفي بمتطلبات الحياة الأساسية؛ فإيجار الشقة لا يقل عن ستة الآف ريال –وهي على ما يبدو في تصاعد رغم كثرة ما يتم تشييده-، ويحتاج الشخص إلى ستة الآف أخرى على الأقل لتأمين متطلبات المعيشة الأساسية لإسرة صغيرة.

ومع ذلك لا تتردد الشركات الخاصة والعامة  في جلب عمالة من الخارج برواتب أقل مع توفير سكن جماعي للعزاب.

وهذه السياسة قد تكون مجدية للشركات ولكنها ليست كذلك للمجتمع  الناشئ الذي قد تتشكل فيه  أوضاع اقتصادية واجتماعية خاطئة، وتتغير فيه خارطته السكانية سنة بعد أخرى.

إن الموضوع جد مهم وبحاجة إلى  سياسات جديدة؛ وقد اتخذت كل من  القوات المسلحة ووزارة الداخلية خطوات مهمة نحو الاعتماد في كوادرهما-بعد القطريين- على من هم من مواليد قطر،  ونرجو أن يتم اعتماد هذا التوجه لدى الوزارات والمؤسسات العامة.

وربما كان من المناسب أن تعمد وزارة العمل إلى أخذ أعداد العاطلين من مواليد قطر بعين الاعتبار قبل منح التأشيرات لاستيراد عمالة من الخارج.

وأدعو جهاز الإحصاء الذي يستعد لإطلاق استراتيجيته الجديدة بدراسة هذه الظاهرة وتحليلها ونشر نتائجها، وأن يقوم مجلس الشورى بدراسة التشريعات المناسبة  لتسهيل التعيينات  بين  العاطلين، كما أدعو الأمانة العامة للتخطيط التنموي ومؤسسة صلتك للاهتمام بهذه القضية وتقديم الحلول للتخفيف منها.

وإذا كانت قطر بلد الخير والكرم، وبلد النخوة والشهامة ولا تقصر في مد يد العون لكل محتاج في الخارج، فإنها لن تتخلى عمن يعيش في كنفها وبين أهلها وناسها، ناهيك عن أن ذلك يساهم في تحقيق استقرارها وأمنها الاجتماعي في الأجل الطويل.