انهار سد تبالة الواقع بمنطقة عسير مع موجة الأمطار الأخيرة واتضح أن السد لم يكتمل تنفيذه رغم تجاوزه للمدة المعتمدة لإنشائه بأكثر من عام إذ لم ينجز منه أكثر من نصف المطلوب رغم مرور أكثر من خمسة سنوات على ترسية العقد وتبلغ تكلفته قرابة ستين مليون ريال سعودي وتبلغ سعته التخزينية قرابة سبعين مليون متر مكعب وتملكه وزارة المياه والكهرباء ويعد من السدود الكبيرة والهامة بالمملكة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل نظام المناقصات الحكومية الذي يعطي الخيار للأقل سعراً للفوز بالمناقصات هو السبب بحصول مقاولين على مشاريع لا يستطيعون إنجازها أو لا يملكون الكفاءة لذلك؟ أم أنها مجموعة من الأسباب الرئيسية تؤدي إلى نتائج سلبية لإنجاز هذه المشاريع الحيوية.
عندما تقرأ وضع الشركات وكل من هو ذي علاقة بهذه المشاريع تجد أنهم أصحاب خبرات كبيرة أو أسماء لها تاريخ جيد بمجالها سواء كانت مكاتب هندسية مخططة ومشرفة أو شركات منفذة وهنا نتساءل هل المواصفات الموضوعة بالمناقصات التي تؤدي للتسعير تحمل خللاً لا يتيح تقدير التكاليف بالشكل المطلوب أم أن غياب المفاضلة الفنية أو التقليل من أهميتها له علاقة باختيار الأقل قدرة بين المتقدمين لتنفيذ المشاريع مما يتيح فعلا ترسية العقود على الأقل سعراً كأساس للاختيار وكإجراء يهدف لمنع المغالاة بتقدير التكاليف ومن هذه المعطيات يتضح ضرورة إعادة صيغ ومتطلبات المناقصات بما يكفل وضع تفصيلات دقيقة للتكاليف.
ويتطلب ذلك ضرورة إيجاد مركز حكومي موحد متخصص بذلك إذ إن ترك الأمر لكل وزارة يفتح مجالا لتباين مستويات الدقة بتقدير التكاليف ويستطيع هذا المركز أن يضع كل معايير ومتطلبات المشاريع التي من خلالها يتم الاسترشاد بوضع المناقصات وطرحها ويضم كوادر بشرية فنية وقانونية متخصصة ويحق له متابعة تنفيذ المشاريع ومدى مطابقتها لما تنص عليه العقود ومتى يجب سحبها من المقاول الضعيف وكذلك يعطي التصنيفات المطلوبة للمقاولين والمكاتب الاستشارية الهندسية ليتسنى الوصول لقطاع خاص متمكن وقادر على تنفيذ المشاريع بمواصفاتها ووقتها المطلوب.
ومن بين الأسباب المحتملة والتي يجب التحقق منها هو قدرة الإدارات المختصة بكل وزارة أو جهة حكومية على تقييم جودة العمل فمن المعروف أن الكوادر البشرية التي تتولى هذه المهام غالبا فنية أي مهندسين فهل تملك هذه الجهات الجهاز الكفوء لهذه المهمة وهل مستوى الرواتب الحالي للمهندسين والفنيين يسمح بوجود كوادر بشرية ذات خبرة وقدرات عالية فمن المعروف أن كادر المهندسين يدرس ويناقش منذ سنوات وما زالت رواتب المهندسين ضعيفة قياسا بالأطباء بعد تعديل رواتبهم رغم أنهم يشرفون على أعمال بمبالغ ضخمة وسوء تنفيذ هذه الأعمال وعدم القدرة على كشف بواطن الخلل له أضرار جسيمة وإذا لم ترتق مستويات الدخل لهذه الوظائف للمستوى المطلوب فإن الجهات الحكومية لن يكون بمقدورها المحافظة على ذوي الخبرات الذين سيفضلون عروض القطاع الخاص التي تبلغ أضعاف سلم الرواتب الحكومي أو يتجهون لفتح أعمال خاصة بهم.
التنمية في المملكة ينفق عليها مبالغ هائلة وحجم المشاريع المتعثرة أو التي اتضح قصور كبير بتنفيذها أيضا يعد كبيراً وتجيير كل ذلك لسبب واحد لن يصل بالنهاية إلى حل جذري لهذه الإشكاليات الكبيرة بل يجب الأخذ بكل الأسباب والعوامل السلبية وتعديلها للوصول إلى مستوى عال من الدقة والكفاءة ليس فقط لتنفيذ المشاريع بل لمنع تعثرها أو سوء تنفيذها الذي يظهر بعد استلامها بفترات قصيرة.
بعيدا عما يلف تلك المشاريع من فساد وايدي خفية، اعتقد الحل الامثل هو اعادة المقاول الاجنبي لمشاريع المملكة، ومن يقول ان تخصصيها لشركات محلية مفيد للاقتصاد الوطني فهذا تقريبا غير صحيح غالبية موظفي شركات المقاولات المحلية هم اجانب عدا مجموعة بسيطة جدا تتمثل في رئيس الشركة وشركائه الظاهرين وغير الظاهرين وموظفين سعوديين يتقاضون الحد الادني من الراتب فهي اذا تحصر فائدتها في مجموعة بسيطة مع مشاريع متعثرة سيئة التنفيذ، المقاول الاجنبي هو الحل الامثل لبنية تحتية متهالكة تتبخر فيها المليارات بدون جدوي وكوراث لا تنتهي.
كلام رائع وموزون .. لاحظ اخي الكريم ان ماذكرته في الفقرة الخامسة حول استقطاب المهندسين والكادر الهندسي لابد ان يكون نقطة الانطلاقة لان بقية ما ذكرت لايمكن تحقيقه الا بوجود كادر قوي يؤسس لما يليه من خطوات ... وتسرب الكوادر الفنية القادرة على تحقيق ذلك من القطاع العام الى الخاص في اتجاه واحد .. يعتبر ايضا عاملا مهما ولايمكن اهماله لان الفروقات كبيرة بين القطاعين في الرواتب والحوافز ... والغريب هو تاخير اعتماد الكادر رغم اهميته وضعف تاثيره على موازنة الدولة نظرا لقلة اعداد المهندسين العاملين في القطاع العام مقارنة بباقي الكوادر الفنية من مدرسين وعسكريين .. الخ الذين تم تصحيح اوضاعهم واعتماد كوادر مناسبه لهم في الماضي ..
الأستثمار البشري مفقود في بيئتنا تماما, فلا يوجد جهات حكومية او خاصة تعمل على استثمار الكوادر الوطنية وتأهليها وتهيئتها لبيئة العمل بشكل احترافي, الكل يريد الكوادر الجاهزه ولا يلمون, وفي واقع الأمر هي تتدرب وتتعلم على حساب جودة المشاريع والخدمات, رؤية الأستثمار في الكوادر الوطنيه هي الحل الوحيد, فالمثل يقول لا يحك جلدك مثل ظفرك, ومهما كانت النتائج فهي في مصلحة البلد, فلمواطن الذي يحضى بالتأهيل والتدريب , هو استثمار للوطن سواء بقي في القطاع الحكومي او وجد فرصه في القطاع الخاص فهو في اي جزء من الوطن ينتج.