إلى متى يستمر التراجع في معدلات الفائدة على الودائع؟

28/04/2013 2
بشير يوسف الكحلوت

أثار مقال الأسبوع الماضي عن تسارع معدل نمو السكان وعودة معدل التضخم للارتفاع اهتماماً ملحوظاً من جانب شريحة من القراء الأعزاء، وأنوي لذلك أن أكتب مقالاً آخر حول الموضوع في الأسبوع القادم لاستكمال ما بدأته من ملاحظات بحثاً عن اقتراحات لتفادي تفاقم هاتين الظاهرتين.

وأنتقل هذا الأسبوع إلى موضوع آخر قد يبدو مختلفاً في ظاهره عن موضوع ارتفاع معدل التضخم، ولكنه يتصل به في الجوهر، آلا وهو  انخفاض معدلات الفائدة والعائد على الودائع بالريال.

فهذه المعدلات التي تعود على أصحاب المدخرات ببعض ما يعوضهم عن تناقص قيمتها الشرائية، باتت في تناقص مستمر سنة بعد أخرى في السنوات الخمس الأخيرة. وفي حين كان من لديه مائة ألف ريال يحصل على عائد يزيد عن خمسة آلاف ريال سنوياً حتى بداية عام 2010، ومن كان لديه مليون ريال يحصل على خمسين ألف ريال، فإن الوضع قد تبدل تماماً وبات الدخل أو العائد لا يزيد عن ألف ريال لوديعة المائة ألف ريال،وعشرة آلاف ريال لوديعة المليون.

وهذا المبلغ الأخير كعائد على المليون ريال لا يُسمن ولا يغني من جوع، في ظل ارتفاع مستويات تكلفة المعيشة في قطر، والذي يكاد يكون من بين المعدلات المرتفعة في العالم. صحيح أن معدل التضخم لا يزال ضمن المستويات المنخفضة وهو بالكاد قد ارتفع فوق 2% قبل سنة، إلا أن مستويات تكلفة المعيشة ظلت مرتفعة منذ تفجرها في الفترة 2006- 2008، ولم تنخفض كثيراً بسبب الأزمة المالية العالمية.

وتزداد الضغوط على فئات السكان الذين تجمدت رواتبهم، أو الذين يتحملون دفع رسوم عالية لتعليم أولادهم أو رعاية أسرهم صحياً. كما تزداد الأعباء بالارتفاع المضطرد في أسعار السلع والخدمات -كما أشرت في مقال الأسبوع السابق- وبانخفاض العائد على مدخراتهم-لمن لديه مدخرات- وهو موضوع هذا المقال.

 ولا يختلف العائد لأصحاب الودائع المطلقة في البنوك الإسلاميه عنه في حال أصحاب الودائع لأجل لدى البنوك التجارية، إذ يتفق الإثنان على ظاهرة  الإنخفاض الشديد سنة بعد أخرى، بحيث بات العائد لا يغطي مصاريف الزكاة  السنوية بنسبة 2.5%، فمن لديه وديعة مليون ريال يدفع عنها 25 ألف ريال زكاة، في حين يحصل  على عائد عشرة الآف ريال فقط، فتكون النتيجة أن يدفع 15 ألف ريال من رأسماله المودع لدى البنك لاستكمال مصاريف الزكاة.

وفي حين تبذل البنوك الإسلامية ما في وسعها للحفاظ على توزيعات عوائدها على الأسهم لمساهميها عند المستويات المتحققة في سنة أو سنوات سابقة، فإن حرصها على التوزيعات لأصحاب الودائع المطلقة يبدو بخلاف ذلك، حيث تنخفض تلك التوزيعات سنة بعد أخرى كما أسلفنا. وتبرر المصارف الإسلامية ذلك بأنه يأتي في إطار سياسة مصرفية تحرص على  الإبقاء على سقف موحد لتكلفة الودائع في السوق المصرفي القطري.

وأعترف مقدماً بأن ما وصلنا إليه في قطر وفي دول مجلس التعاون التي تربط عملاتها بالدولار هو نتيجة منطقية لهذا الربط، وبدونه تحدث مضاربات شديدة، وتحركات واسعة من هذه العملات أو إليها ،كما كان يحدث في سنوات سابقة، وفي ذلك مضار اقتصادية ومالية عديدة.

وفي المقابل، فإن البنوك القطرية تدفع معدلات فائدة أو مرابحة أعلى تصل إلى 3% على سندات أو صكوك مصدرة بالدولار في الخارج،،،، فلماذا لا يتم إصدار سندات وصكوك محلية متوسطة أو طويلة الأجل بالريال القطري، وترويجها لأصحاب  المدخرات بحد أدنى مائة ألف أو ربع مليون ريال مثلاً؟؟.

وإذا ما أمكن إصدار مثل هذه الأوراق المالية فإنه يصبح بإمكان أصحابها استخدامها في الحصول على قروض أو تمويلات مصرفية قصيرة الأجل بمعدلات فائدة أو مرابحة أقل من تلك التي يدفعونها في الوقت الحاضر.

الجدير بالذكر أن معدلات الفائدة على القروض والتمويلات تتراوح ما بين 5-6% سنوياً أي ما قد يزيد عن أربعة أمثال الفائدة أو العائد على الودائع. 

الجدير بالذكر أن لدى مصرف قطر المركزي توجهاً يقضي بالعمل على تعزيز سوق رأس المال في قطر وقد انعقد لذلك مؤتمر في العام 2011 لحث الشركات والبنوك في قطر على إصدار سندات وصكوك محلية بالريال القطري.

وفي حين زاد تعامل الشركات والبنوك منذ ذلك الوقت مع أسواق السندات والصكوك الدولية، إلا أنه لم يحدث أي شيئ حتى الآن على صعيد تنشيط سوق رأس المال المحلي، وظل التعامل في  السوق الثانوي في بورصة قطر مقتصراً على تداول أوذنات الخزينة الحكومية في فترات متباعدة.

والخلاصة أن ظاهرة تراجع إن لم يكن تدهور العائد من الودائع  بالريال في السوق المصرفي القطري باتت مقلقة لأصحاب المدخرات.

ولا يبدو في الأفق القريب مجال لإنعكاسها بسبب الظروف الاقتصادية العالمية. والملاحظ مع ذلك أن أرصدة الودائع ترتفع بين سنة وأخرى، مما يعني أن أصحابها لا يجدون مجالاً آخر للاستثمار فيه ، وقد يكون ذلك موضوع لمقال آخر في وقت قريب.