إنها مفارقة غريبة بالفعل، ولكنها ذات دلالات كاشفة لأولويات مجالس الإدارة، وكيف أنهم لا يتوانون عن إرضاء المساهمين حتى ولو كانت قراراتهم تضر الشركات على المديين المتوسط والقصير.
والقصة باختصار أن مجلس إدارة شركة وطنية مدرجة في سوق الأسهم أوصى بتوزيع خمسة في المئة نقداً على المساهمين عن العام 2012، على الرغم من أن الشركة سجلت خسائر في العام المشار إليه !!
ليس هذا فقط ما يثير الاندهاش، ولكن المدهش فعلاً تبريرات مجلس الإدارة لهذه التوصية بأن الشركة تمكنت من تقليص خسائرها مقارنة بالعام السابق !
ولأن الشركة تظل خاسرة حتى ولو قلصت حجم الخسارة، ولأن الأصل في التوزيعات أن يحصل مساهمو أي شركة على نصيبهم من الأرباح المحققة، لم تجد الإدارة حلاً سوى اللجوء إلى الأرباح المُرحلة من سنوات سابقة لتوفير الأموال اللازمة لهذه التوزيعات.
والأدهى أن الجمعية العمومية للشركة، أي أعلى سلطة فيها، أقرت هذه التوصية من دون نقاش أو اعتراض من أحد !!
أليس بين أعضاء الجمعية رجل رشيد؟!
إن استقطاع أموال من السيولة المتوفرة لدى أي شركة بغرض توزيعها على المساهمين أسوأ قرار يمكن تمريره،وخصوصاً إذا كان الهدف مجرد مساندة سهم الشركة مؤقتاً، أو إرضاء مساهمين متذمرين لأن شركتهم لم توزع أرباحاً، والآخرون وزعوا.
أليس من الأفضل استثمار هذه الأموال في توسعات للنشاط أو تحديث لخطوط الإنتاج يدر عوائد مستقبلية يمكن توزيعها كأرباح حقيقية في سنوات لاحقة بدلاً من البحث في الدفاتر القديمة مثل التاجر المفلس؟
أليس من الأفضل، طالما السيولة متوفرة، إجراء عملية سداد مبكر للقروض المستحقة على الشركة للبنوك، بدلاً من تكبيدها أعباء متراكمة لخدمة هذه الديون؟
أليس من الأفضل أن يجتهد مجلس الإدارة في وضع يده على مكمن الخلل الذي يكبد الشركة خسائر، ويضع خططاً لإعادة الهيكلة مستهدفاً التحول إلى الربحية، بدلاً من التقوت على أرباح الماضي؟
وإذا أرضى المجلس المساهمين هذا العام بتوزيع أرباح من الاحتياطي النقدي، فماذا سيفعل العام المقبل إذا سجلت الشركة خسائر جديدة؟ ومن أين سيأتي بالسيولة حينئذ؟
إن إرضاء المساهمين و«نفخ» السهم غاية لا تدرك إلا بتطوير الأداء المالي والتشغيلي للشركات.